لَمَّا حضرت عبدَ اللهِ بنَ شدّادٍ الوفاةُ دعا ابنًا له يقال له محمدٌ، فقال :
يا بُنَيَّ، إِنِّي أرى داعيَ الموتِ لا يُقْلِعُ، وأرى مَن مَضَى لا يَرْجِعُ، ومَن بَقِيَ فإليه يَنْزَعُ، وإِنِّي مُوصِيكَ بوصيَّةٍ فاحْفَظْها.
عليكَ بتقوى اللهِ العظيمِ، وليكنْ أَوْلَى الأمورِ بكَ شُكْرَ اللهِ وحُسْنَ النِّيَّةِ في السرِّ والعَلانيةِ؛ فإِنَّ الشَّكورَ يزدادُ، والتَّقوى خيرُ زَادٍ، وكن كما قال الحطيئةُ:
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ *** ولكنَّ التَّقِيَّ هو السَّعِيدُ
وَتَقْوَى اللهِ خيرُ الزَّادِ ذُخْرًا *** وعندَ الله للأَتْقَى مَزِيدُ
وما لا بُدَّ أَنْ يَأْتِي قَرِيبٌ *** ولكنَّ الذي يَمْضِي بَعِيدُ
ثم قال :
أَيْ بُنَيَّ، لا تَزْهَدَنَّ في معروفٍ؛ فإِنَّ الدّهرَ ذو صُرُوفٍ، والأيامَ ذاتُ نَوَائِبَ على الشاهدِ والغائبِ، فكم مِن رَاغِبٍ أصبحَ مَطْلُوبًا ما لديه، واعْلَمْ أَنَّ الزَّمانَ ذو ألوانٍ، ومَن يَصْحَبِ الزَّمانَ يَرَ الهَوَانَ، وكنْ أي بُنَيَّ كما قال أبو الأسودِ الدُّؤَلِيُّ :
وَعَدِّ مِنَ الرَّحْمَنِ فَضْلاً وَنِعْمَةً *** عليكَ إذا ما جاءَ لِلْعرفِ طَالِبُ
وَإِنَّ امْرَأً لا يُرْتَجَى الخَيْرُ عِنْدَهُ *** يَكُنْ هَيِّنًا ثِِقْلاً على مَنْ يُصَاحِبُ
فلا تَمْنَعَنْ ذا حَاجَةٍ جَاءَ طَالِبًا *** فإِنَّك لا تَدْرِي متى أنتَ رَاغِبُ
رأيتُ التوا هذا الزمان بأهله وبينهم فيه تكون النوائب
ثم قال:
أي بُنَيَّ، كنْ جوادًا بالمالِ في موضعِ الحَقِّ، بخيلاً بالأسرارِ عن جميعِ الخَلْقِ؛ فإِنَّ أحمدَ جودِ المرءِ الإنفاقُ في وَجْهِ البِرِّ، وَإِنَّ أحمدَ بُخْلِ الحُرِّ الضَّنُّ بمكتومِ السِّرِّ، وكنْ كما قال قيسُ بنُ الخطيمِ الأنصارِيُّ:
أَجُودُ بِمَكْنُونِ التِّلادِ وَإِنَّنِي بِسِرِّكَ عَمَّنْ سَالَنِي لَضَنِينُ
إذا جَاوَزَ الإِثْنَيْنَ سِرٌّ فَإِنَّهُ بِبَثٍّ وَتَكْثِيرِ الحَدِيثِ قَمِينُ
وَعِنْدِي لَهُ يومًا إذا ما ائْتَمَنْتَنِي مكانٌ بِسَوْدَاءِ الفُؤَادِ مَكِينُ
ثم قال :
أَيْ بُنَيَّ، وَإِنْ غُلِبْتَ يومًا على المالِ فلا تَدَعِ الحِيْلَةِ على حالٍ؛ فإِنَّ الكريمَ يَحْتالُ، والدَّنئ عيال، وكنْ أَحْسَنَ ما تكونُ في الظاهرِ حالاً أقلَ ما تكونُ في الباطنِ مآلاً؛ فإِنَّ الكريمَ مَن كَرُمَتْ طَبِيعتُه، وظَهَرَتْ عِندَ الإنفادِ نِعْمَتُه، وكنْ كما قال ابنُ خَذَّاقٍ العَبْدِيِّ:
وَجَدْتُ أَبِيْ قَدْ اوْرَثَُه أَبُوهُ *** خِلالاً قَدْ تُعَدُّ مِن المَعَالِي
فَأَكْرَمُ ما تَكُونُ عَلَيَّ نَفْسِي *** إذاما قَلَّ في الأَزَمَاتِ مَالِي
فَتَحْسُنُ سِيْرَتِي وَأَصُونُ عِرْضِي *** وَيَجْمُلُ عندَ أَهْلِ الرَّأْيِ حَالِي
وَإِنْ نِلْتُ الغِنَى لم أَغْلُ فِيْهِ *** ولَمْ أَخْصُصْ بِجَفْوتِيَ المَوَالِي
ثم قال:
أَيْ بُنَيَّ، وَإِنْ سَمِعْتَ كلمةً مِن حاسدٍ فكنْ كأنَّك لستَ بالشاهدِ؛ فإِنَّك إِنْ أَمْضَيْتَها حيالَها رَجَعَ العيبُ على مَن قالَها، وكان يقال : الأريبُ العاقِلُ هو الفَطِنُ المُتَغَافِلُ، وكنْ كما قال حاتم الطَّائِي :
وَمَا مِنْ شَيْمَتِي شَتْمُ ابنِ عَمِّي وما أَنَا مُخْلِفٌ مَنْ يَرْتَجِينِي
وَكِلْمَةُ حَاسِدٍ في غيرِ جُرْمٍ سَمِعْتُ فَقُلْتُ مُرِّي فَانْفُذُيْنِي
فَعَابُوها عَلَيَّ ولم تَسُؤْنِي ولم يَعْرَق لَها يومًا جَبَيِنِي
وذو الّلونَيْنِ يَلْقَانِي طَلِيقًا وليسَ إذا تَغَيَّبَ يَأْتَلِينِي
سَمِعْتُ بِعَيْبِهِ فَصَفَحْتُ عَنْهُ مَحَافَظَةً على حَسَبِي وَدِيْنِي
ثم قال :
أيْ بُنَيَّ، لا تُؤَاخِ امْرَأً حتى تُعَاشِرَهُ، وَتَتَفَقَّدَ مَوَارِدَهُ وَمَصَادِرَهُ؛ فإذا استطعتَ العِشْرَةَ، وَرَضِيتَ الخِبْرَةَ، فَوَاخِهِ على إِقَالَةِ العَثْرَةِ، والمُوَاسَاةِ في العُسْرَةِ، وكن كما قال المُقَنَّعُ الكِنْدِيُّ:
ابْلُ الرِّجَالَ إذا أَرَدْتَ إِخَاءَهمْ *** وَتوسم فعالهم وتَفَقَّدِ
فَإِذَا ظَفِرْتَ بِذِي اللُّبَابَةِ وَالتُّقَى *** فَبِهِ اليَدَيْنِ قَرِيْرَ عَيْنٍ فَاشْدُدِ
وَإِذَا رَأَيْتَ وَلا مَحَالَةَ زَلَّةً فَعَلَى أَخَيْكَ بِفَضْلِ حِلْمِكَ فَارْدُدِ
ثم قال :
أي بُنَيَّ، إذا أَحْبَبْتَ فلا تُفْرِطْ، وإذا أَبْغَضْتَ فلا تُشْطِطْ؛ فإِنَّه قدْ كان يقالُ : أَحْبِبْ حَبِيْبَكَ هُوْنًا ما عسى أَنْ يكونَ بَغِيضَكَ يومًا ما، وَأَبْغِضْ بَغِيْضَكَ هُوْنًا ما عسى أَنْ يكونَ حَبْيِبَكَ يومًا ما، وكنْ كما قال هُدْبَةُ بنُ الخَشْرَمِ العُذْرِيُّ:
وَكُنْ مَعْقِلاً لِلْحِلْمِ وَاصْفَحْ عَنِ الخَنَا فَإِنَّك رَاءٍ ما حَيِيْتَ وَسَامِعُ
وَأَحْبِبْ إذا أَحْبَبْتَ حُبًّا مُقَارِبًا فَإِنَّك لا تدري متى أنت نَازِعُ
وَأَبْغِضْ إذا أَبْغَضْتَ بُغْضًا مُقَارِبًا فإِنَّك لا تدري متى أنت رَاجِعُ
وعليك بصحبةِ الأخيارِ، وَصِدْقِ الحديثِ، وإياكَ وصحبةَ الأشرارِ؛ فإِنَّه عارٌ، وكنْ كما قال الشاعرُ:
اصْحَبِ الأَخْيَارَ وَارْغَبْ فِيْهُمُ رُبَّ مَنْ صَاحَبْتَهُ مِثْلِ الجَرَبْ
وَدَعِ النَّاسَ فلا تَشْتُمْهُمُ وَإِذَا شَاتَمْتَ فَاشْتُمْ ذا حَسَبْ
إِنَّ مَنْ شَاتَمَ وَغْدًا كالذي يَشْتَرِي الصُّفْرَ بِأَعْيَانِ الذَّهَبْ
وَاصْدُقِ النَّاسَ إِذَا حَدَّثْتَهُمْ وَدَعِ النَّاسَ فَمَنْ شَاءَ كَذَبْ
يا بُنَيَّ، إِنِّي أرى داعيَ الموتِ لا يُقْلِعُ، وأرى مَن مَضَى لا يَرْجِعُ، ومَن بَقِيَ فإليه يَنْزَعُ، وإِنِّي مُوصِيكَ بوصيَّةٍ فاحْفَظْها.
عليكَ بتقوى اللهِ العظيمِ، وليكنْ أَوْلَى الأمورِ بكَ شُكْرَ اللهِ وحُسْنَ النِّيَّةِ في السرِّ والعَلانيةِ؛ فإِنَّ الشَّكورَ يزدادُ، والتَّقوى خيرُ زَادٍ، وكن كما قال الحطيئةُ:
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ *** ولكنَّ التَّقِيَّ هو السَّعِيدُ
وَتَقْوَى اللهِ خيرُ الزَّادِ ذُخْرًا *** وعندَ الله للأَتْقَى مَزِيدُ
وما لا بُدَّ أَنْ يَأْتِي قَرِيبٌ *** ولكنَّ الذي يَمْضِي بَعِيدُ
ثم قال :
أَيْ بُنَيَّ، لا تَزْهَدَنَّ في معروفٍ؛ فإِنَّ الدّهرَ ذو صُرُوفٍ، والأيامَ ذاتُ نَوَائِبَ على الشاهدِ والغائبِ، فكم مِن رَاغِبٍ أصبحَ مَطْلُوبًا ما لديه، واعْلَمْ أَنَّ الزَّمانَ ذو ألوانٍ، ومَن يَصْحَبِ الزَّمانَ يَرَ الهَوَانَ، وكنْ أي بُنَيَّ كما قال أبو الأسودِ الدُّؤَلِيُّ :
وَعَدِّ مِنَ الرَّحْمَنِ فَضْلاً وَنِعْمَةً *** عليكَ إذا ما جاءَ لِلْعرفِ طَالِبُ
وَإِنَّ امْرَأً لا يُرْتَجَى الخَيْرُ عِنْدَهُ *** يَكُنْ هَيِّنًا ثِِقْلاً على مَنْ يُصَاحِبُ
فلا تَمْنَعَنْ ذا حَاجَةٍ جَاءَ طَالِبًا *** فإِنَّك لا تَدْرِي متى أنتَ رَاغِبُ
رأيتُ التوا هذا الزمان بأهله وبينهم فيه تكون النوائب
ثم قال:
أي بُنَيَّ، كنْ جوادًا بالمالِ في موضعِ الحَقِّ، بخيلاً بالأسرارِ عن جميعِ الخَلْقِ؛ فإِنَّ أحمدَ جودِ المرءِ الإنفاقُ في وَجْهِ البِرِّ، وَإِنَّ أحمدَ بُخْلِ الحُرِّ الضَّنُّ بمكتومِ السِّرِّ، وكنْ كما قال قيسُ بنُ الخطيمِ الأنصارِيُّ:
أَجُودُ بِمَكْنُونِ التِّلادِ وَإِنَّنِي بِسِرِّكَ عَمَّنْ سَالَنِي لَضَنِينُ
إذا جَاوَزَ الإِثْنَيْنَ سِرٌّ فَإِنَّهُ بِبَثٍّ وَتَكْثِيرِ الحَدِيثِ قَمِينُ
وَعِنْدِي لَهُ يومًا إذا ما ائْتَمَنْتَنِي مكانٌ بِسَوْدَاءِ الفُؤَادِ مَكِينُ
ثم قال :
أَيْ بُنَيَّ، وَإِنْ غُلِبْتَ يومًا على المالِ فلا تَدَعِ الحِيْلَةِ على حالٍ؛ فإِنَّ الكريمَ يَحْتالُ، والدَّنئ عيال، وكنْ أَحْسَنَ ما تكونُ في الظاهرِ حالاً أقلَ ما تكونُ في الباطنِ مآلاً؛ فإِنَّ الكريمَ مَن كَرُمَتْ طَبِيعتُه، وظَهَرَتْ عِندَ الإنفادِ نِعْمَتُه، وكنْ كما قال ابنُ خَذَّاقٍ العَبْدِيِّ:
وَجَدْتُ أَبِيْ قَدْ اوْرَثَُه أَبُوهُ *** خِلالاً قَدْ تُعَدُّ مِن المَعَالِي
فَأَكْرَمُ ما تَكُونُ عَلَيَّ نَفْسِي *** إذاما قَلَّ في الأَزَمَاتِ مَالِي
فَتَحْسُنُ سِيْرَتِي وَأَصُونُ عِرْضِي *** وَيَجْمُلُ عندَ أَهْلِ الرَّأْيِ حَالِي
وَإِنْ نِلْتُ الغِنَى لم أَغْلُ فِيْهِ *** ولَمْ أَخْصُصْ بِجَفْوتِيَ المَوَالِي
ثم قال:
أَيْ بُنَيَّ، وَإِنْ سَمِعْتَ كلمةً مِن حاسدٍ فكنْ كأنَّك لستَ بالشاهدِ؛ فإِنَّك إِنْ أَمْضَيْتَها حيالَها رَجَعَ العيبُ على مَن قالَها، وكان يقال : الأريبُ العاقِلُ هو الفَطِنُ المُتَغَافِلُ، وكنْ كما قال حاتم الطَّائِي :
وَمَا مِنْ شَيْمَتِي شَتْمُ ابنِ عَمِّي وما أَنَا مُخْلِفٌ مَنْ يَرْتَجِينِي
وَكِلْمَةُ حَاسِدٍ في غيرِ جُرْمٍ سَمِعْتُ فَقُلْتُ مُرِّي فَانْفُذُيْنِي
فَعَابُوها عَلَيَّ ولم تَسُؤْنِي ولم يَعْرَق لَها يومًا جَبَيِنِي
وذو الّلونَيْنِ يَلْقَانِي طَلِيقًا وليسَ إذا تَغَيَّبَ يَأْتَلِينِي
سَمِعْتُ بِعَيْبِهِ فَصَفَحْتُ عَنْهُ مَحَافَظَةً على حَسَبِي وَدِيْنِي
ثم قال :
أيْ بُنَيَّ، لا تُؤَاخِ امْرَأً حتى تُعَاشِرَهُ، وَتَتَفَقَّدَ مَوَارِدَهُ وَمَصَادِرَهُ؛ فإذا استطعتَ العِشْرَةَ، وَرَضِيتَ الخِبْرَةَ، فَوَاخِهِ على إِقَالَةِ العَثْرَةِ، والمُوَاسَاةِ في العُسْرَةِ، وكن كما قال المُقَنَّعُ الكِنْدِيُّ:
ابْلُ الرِّجَالَ إذا أَرَدْتَ إِخَاءَهمْ *** وَتوسم فعالهم وتَفَقَّدِ
فَإِذَا ظَفِرْتَ بِذِي اللُّبَابَةِ وَالتُّقَى *** فَبِهِ اليَدَيْنِ قَرِيْرَ عَيْنٍ فَاشْدُدِ
وَإِذَا رَأَيْتَ وَلا مَحَالَةَ زَلَّةً فَعَلَى أَخَيْكَ بِفَضْلِ حِلْمِكَ فَارْدُدِ
ثم قال :
أي بُنَيَّ، إذا أَحْبَبْتَ فلا تُفْرِطْ، وإذا أَبْغَضْتَ فلا تُشْطِطْ؛ فإِنَّه قدْ كان يقالُ : أَحْبِبْ حَبِيْبَكَ هُوْنًا ما عسى أَنْ يكونَ بَغِيضَكَ يومًا ما، وَأَبْغِضْ بَغِيْضَكَ هُوْنًا ما عسى أَنْ يكونَ حَبْيِبَكَ يومًا ما، وكنْ كما قال هُدْبَةُ بنُ الخَشْرَمِ العُذْرِيُّ:
وَكُنْ مَعْقِلاً لِلْحِلْمِ وَاصْفَحْ عَنِ الخَنَا فَإِنَّك رَاءٍ ما حَيِيْتَ وَسَامِعُ
وَأَحْبِبْ إذا أَحْبَبْتَ حُبًّا مُقَارِبًا فَإِنَّك لا تدري متى أنت نَازِعُ
وَأَبْغِضْ إذا أَبْغَضْتَ بُغْضًا مُقَارِبًا فإِنَّك لا تدري متى أنت رَاجِعُ
وعليك بصحبةِ الأخيارِ، وَصِدْقِ الحديثِ، وإياكَ وصحبةَ الأشرارِ؛ فإِنَّه عارٌ، وكنْ كما قال الشاعرُ:
اصْحَبِ الأَخْيَارَ وَارْغَبْ فِيْهُمُ رُبَّ مَنْ صَاحَبْتَهُ مِثْلِ الجَرَبْ
وَدَعِ النَّاسَ فلا تَشْتُمْهُمُ وَإِذَا شَاتَمْتَ فَاشْتُمْ ذا حَسَبْ
إِنَّ مَنْ شَاتَمَ وَغْدًا كالذي يَشْتَرِي الصُّفْرَ بِأَعْيَانِ الذَّهَبْ
وَاصْدُقِ النَّاسَ إِذَا حَدَّثْتَهُمْ وَدَعِ النَّاسَ فَمَنْ شَاءَ كَذَبْ