موقع يعنى باللغة العربية وآدابها

الرئيسة >> نثر العرب >> قيس بن خفاف البرجمي >> قيس بن خفاف البرجمي وحاتم طيئ
أتى أبو جُبَيْلٍ قيسُ بنُ خَفَافٍ البُرْجُمِيُّ حاتِمَ طَيِّئَ في دِمَاءٍ حَمَلَها عن قومِهِ، فَأَسْلَمُوه فيها وعَجَزَ عنها، فقال:
واللهِ لآتِيَنَّ مَن يَحْمِلُها عَنِّي، وكان شريفًا شاعرًا، فلمَّا قَدِمَ عليه، قال :
إِنَّه وَقَعَتْ بينَ قومِي دِمَاءٌ فَتَوَاكَلُوها، وَإِنِّي حَمَلْتُها في مالي وأَمَلِي، فَقَدَّمْتُ مالي وكنتَ أَمَلِي؛ فإِنْ تَحَمَّلْها فَرُبَّ حَقٍّ قد قَضَيْتَهُ، وَهَمٍّ قَدْ كَفَيْتَهُ، وَإِنْ حالَ دونَ ذلك حائلٌ لم أَذْمُمْ يومَك، ولم أَيْأَسْ مِن غَدِكَ، ثمَّ أنشأَ يقولُ :
حَمَلْتُ دِمَاءً لِلْبَرَاجِمِ جَمَّةً *** فَجِئْتُكَ لَمَّا أَسْلَمَتْنِي البَرَاجِمُ
وَقَالُوا سِفَاهًا :لِمْ حَمَلْتَ دِمَاءَنَا *** فَقُلْتُ لَهُمْ يَكْفِي الحَمَالَةَ حَاتِمُ
مَتَى آتِهِ فِيْهَا يَقُلْ لِيَ مَرْحَبًا ***وَأَهْلاً وَسَهْلاً أَخْطَأَتْكَ الأَشَائِمُ
فَيَحْمِلَهَا عَنِّي وَإِنْ شِئْتُ زَادَنِي ***زِيَادَةَ مَنْ حَنَّتْ إليه المَكَارِمُ
يَعِيْشُ النَّدَى ما عَاشَ حَاتِمُ طَيِّئٍ *** فَإِنْ مَاتَ قَامَتْ لِلسَّخَاءِ مَآتِمُ
يُنَادِيْنَ ماتَ الجُودُ مَعْكَ فلا نَرَى *** مُجِيْبًا لَهُ مَا حَامَ في الجَوِّ حَائِمُ
وَقَالَ رِجَالٌ :أَنْهَبَ العَامُ مَالَهُ *** فَقُلْتُ لَهُمْ :إِنِّي بِذَلِكَ عَالِمُ
وَلَكِنَّهُ يُعْطِي مِن امْوَالِ طَيِّئٍ*** إذا جَلَفَ المَالَ الحُقُوقُ الَّلوَازِمُ
فَيُعْطِي التي فِيْهَا الغِنَى وَكَأَنَّهُ *** لِتَصْغِيْرِهِ تِلْكَ العَطِيْةَ جَارِمُ
بِذَلِكَ أَوْصَاهُ عَدِيٍّ وَحَشْرَجٌ *** وَسَعْدٌ وَعَبْدُ اللهِ تَلْكَ القَمَاقِمُ
فقال له حاتِمٌ:
إِنْ كنتُ لأُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَنِي مِثْلُكَ مِن قَوْمِكَ! هذا مِرْباَعِي مِن الغَارَةِ على بني تَمِيمَ فَخُذْهُ وافرًا؛ فَإِنْ وَفَى بالحَمَالَةَ وَإِلاَّ أَكْمَلْتُهَا لَكَ؛ وَهو مِئَتَا بَعَيْرٍ سِوى بَنِيهَا وَفِصَالِها مَعَ أَنِّي لا أُحِبُّ أَنْ تُوْيِسَ قَوْمَك بَأَمْوَالِهِم.
فَضَحِكَ أبو جُبَيْلٍ، وقال :
لكم ما أَخَذْتم مِنَّا ولنا ما أَخَذْنا مِنكم، وأَيُّ بَعِيرٍ دَفَعْتَهُ إِليَّ ليس ذَنَبُهُ في يَدِ صَاحِبِهِ فأنت منه بَرِئٌ، فَدَفَعَها إليه، وَزَادَهُ مِئةَ بَعِيرٍ، فَأَخَذَها، وَانْصَرَفَ رَاجِعًا إلى قَوْمِه.
فقال حاتِمٌ في ذلكَ :
أَتَانِي البُرْجُمِيُّ أَبُو جُبَيْلٍ ***لِهَمٍّ في حَمَالَتِهِ طَوِيلِ
فَقُلْتُ لَهُ خُذِ المِرْبَاعِ رَهْوًا*** فَإِنِّي لَسْتُ أَرْضَى بالقَلِيْلِ
عَلَى حَالٍ وَلا عَوَّدْتُ نَفْسِي ***عَلَى عِلاَّتِهَا عِلَلَ البَخِيْلِ
فَخُذْهَا إِنَّهَا مِئَتَا بَعِيرٍ ***سِوَى النَّابِ الرَّذِيَّةِ وَالفَصِيلِ
فلا مَنٌّ عَلَيْكَ بِهَا فَإِنِّي ***رَأَيْتَ المَنَّ يُزْرِي بالجَزِيْلِ
فَآبَ البُرْجُمُيُّ وَمَا عَلَيْهِ *** مِنَ اعْبَاءِ الحَمَالَةِ مِنْ فَتِيلِ
يَجُرُّ الذَّيْلِ يَنْفُضُ مِذْرَوَيْهِ *** خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنْ حِمْلٍ ثَقِيلِ

Twitter Facebook Whatsapp