موقع يعنى باللغة العربية وآدابها

الرئيسة >> نثر العرب >> عامر بن جوين الطائي >> ما دار مِن الحديث بين المنذر بن النعمان الأكبر وبين عامر بن جُوين الطائي
وَفَدَ عامرُ بنُ جُوينٍ الطَّائيُّ على المُنْذِرِ بنِ النُّعمانِ الأكبرِ جَدِّ النّعمانِ بنِ المنذرِ؛ وذلك بعدَ انقضاءِ مُلْكِ كِنْدَةَ، ورجوعِ المُلْكِ إلى لَخْمٍ.
وكان عامرٌ قد أجارَ امرأَ القيسِ بنَ حُجْرٍ أيّامِ كان مُقيمًا بالجَبَلَيْنِ، وقال كَلِمتَه التي يقولُ فيها :
هُنَالِكَ لا أُعْطِي مَلِيْكًا ظَلامَةً ***ولا سُوْقَةً حَتَّى يَؤُوبَ ابنُ مَنْدَلَةْ
وكان المنذرُ ضَغِنًا عليه، فلمَّا دخلَ عليه قال له :
يا عامِ، لَسَاءَ مَثْوًى أَثْوَيْتَهُ رَبَّك وَثَوِيَّكَ حينَ حاولتَ إِصْبَاءَ طَلَّتَهُ، ومَخَالَفَتَهُ إلى عَشِيرِهِ. أَمَا واللهِ لو كنتُ كريمًا لأَثْوَيْتَهُ مُكرَّمًا مُوَقَّرًا، ولَجَانَبْتَهُ مُسَلَّمَا.
فقال له :
أبيتَ الَّلعنَ! لقد عَلِمتْ أبناءُ أُدَدَ أَنِّي لأَعَزُّها جارًا، وأكرمُها جِوَارًا، وأَمْنَعُها دارًا. ولقد أقامَ وافرًا، وزالَ شاكرًا.
فقال له المنذرُ:
يا عامِ، وإِنَّك لَتَخَالُ هُضَيْبَاتِ أَجَأَ ذاتَ الوِبَارِ، وَأَفْنِيَاتِ سَلْمَى ذاتَ الأَغْفَارِ مَانِعَاتِكَ مِن المَجَرِ الجَرَّارِ ذي العَدَدِ الكثارِ، والحصنِ والمِهَارِ، والرِّمَاحِ الحِرَارِ، وكلِّ مَاضِي الغِرَارِ، بِيَدِ كلِّ مُسْعِرٍ كريمِ النَّجارِ.
قال عامرٌ :
أبيتَ الَّلعنَ! إِنَّ بينَ تلك الهُضَيْبَاتِ والرِّعانِ، والشِّعَابِ والمصدان لَفِتْيانًا أبطالاً، وكهولاً أزوالاً، يَضْربونَ القَوَانِسَ، ويَسْتَنْزِلونَ الفَوَارِسَ بالرِّماحِ المَدَاعِسِ، لم يَتَّبِعُوا الرِّعَاءَ، ولم تُرَشِّحْهُمُ الإِماءُ.
فقال الملكُ :
يا عامِ، لو قد تَجَاوَبَتِ الخيلُ في تلكَ الشِّعابِ صهيلاً، كانت الأصواتُ قَعْقَعَةً وصَلِيلاً، وَفَغَرَ الموتُ، وأَعْجَزَ الفوتُ، فَتَقَارَشَتِ الرِّماحُ، وحَمِي السِّلاحُ؛ لَتَسَاقَى قَوْمُكَ كأسًا لا صَحْوَ بعدَها.
فقال :
مهلاً أبيتَ الَّلعنَ! إِنَّ شرابَنا وَبِيلٌ، وَحَدَّنا أَلِيلٌ، ومَعْجَمَنَا صَلِيبٌ، ولِقَاءَنا مَهِيبٌ.
فقال له :
يا عامِ، إِنَّه لَقَلِيلٌ بقاءُ الصَّخرةِ الصَّرَّاءِ على وَقْعِ المَلاطِيسِ.
فقال :
أبيتَ الَّلعنَ! إِنَّ صَفَاتَنَا عَبْرَ المَرَادِيسِ.
فقال :
لأُوقِظَنَّ قومَك مِن سَنَةِ الغَفْلَةِ، ثم لأُعْقِبَنَّهم بعدَها رَقْدَةً لا يَهِبُ رَاقِدُها، ولا يَسْتَيْقِظُ هاجِدُها.
فقال له عامرٌ :
إِنَّ البَغْيَّ أبادَ عَمْرًا، وَصَرَعَ حُجْرًا، وكانا أَعَزَّ مِنك سلطانًا، وأعظمَ شَانًا. وَإِنْ لَقِيْتَنَا لم تَلْقَ أَنْكاسًا ولا أَغْسَاسَا، فَهَبِّشْ وَضَائِعَكَ وَصَنَائِعَكَ، وهَلُمَّ إذا بدا لك، فنحن الأُلُى قَسَطُوا على الأَمْلاكِ قَبْلَك!
ثم أتى راحِلَتَهُ، فَرَكِبَها، وأنشأَ يقولُ:
تَعَلَّمْ أَبَيْتَ الَّلعْنَ أَنْ قَنَاتَنَا *** تَزِيدُ على غَمْزِ الثِّقَافِ تَصَعُّبَا
أَتُوْعِدُنَا بالحَرْبِ أُمُّكَ هَابِلٌ *** رُوَيْدَكَ بَرْقًا لا أَبَا لَكَ خُلَّبَا
إذا خَطَرَتْ دُوْنِي جَدِيْلَةُ بالقَنَا*** وَحَامَتْ رِجَالُ الغَوْثِ دُوْنِي تَحَدُّبَا
أَبِيْتُ التي تَهْوَى وَأَعْطَيْتُكَ التي ***تَسُوقُ إِلَيْكَ المَوْتَ أَخْرَجَ أَكْهَبَا
فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَزْدَارَنَا فَأْتِ تَعْتَرِفْ*** رِجَالاً يُذِيْلُونَ الحَدِيدَ المُعَقْرَبَا
وَإِنَّكَ لَوْ أَبْصَرْتَهُمْ في مَجَالِهِمْ*** رَأَيْتَ لَهُمْ جَمْعًا كَثِيْفًا وَكَوْكَبَا
وَذَكَّرَكَ العَيْشَ الرَّخِيَّ جِلادُهُمْ *** وَمَلْهَى بِأَكْنَافِ السَّدِيْرِ وَمَشْرَبَا
فَأَغْضِ على غَيْظٍ ولا تَرِمِ التي ***تُحَكِّمُ فِيْكَ الزَّاعِبِيَّ المُحَرَّبَا

Twitter Facebook Whatsapp