موقع يعنى باللغة العربية وآدابها

الرئيسة >> نثر العرب >> المهلب بن أبي صفرة >> وصية المهلب بن أبي صفرة لأبنائه عند موته
لَمَّا كانَ المُهَلَّبُ بنُ أبي صُفْرَةَ بِزَاغولَ مِن مَرْوِ الرَّوْذِ مِن خراسانَ أَصَابَتْهُ الشَّوْصَةَ -وقومٌ يقولون الشَّوْكَةُ- فَدَعَا حَبِيبًا ومَنْ حَضَرَهُ مِن وَلَدِهِ، وَدَعَا بِسِهَامٍ فَحُزِمَتْ، وقال :
أَتَرَوْنَكمْ كَاسِرِيها مُجْتَمِعَةً؟
قالوا :
لا.
قال :
أَفَتَرَونكم كَاسِرِيها مُتَفَرِّقَةً؟
قالوا :
نعم.
قال :
فهكذا الجماعةُ، فأُوصِيكم بتقوى اللهِ، وصِلَةِ الرَّحمِ؛ فإِنَّ صِلَةَ الرحمِ تُنْسِئُ في الأَجَلِ، وتُثْرِي المالَ، وتُكَثِّرُ العَدَدَ.
وأَنْهَاكمْ عن القَطِيعةِ؛ فإِنَّ القَطَيِعة تُعْقِبُ النَّارَ، وتُورِثُ الذِّلَّةَ والقِلَّةَ، تَبَاذَلُوا وتَوَاصَلُوا، تَحَابُّوا وأَجْمِعُوا أمرَكم ولا تَخْتَلِفُوا، وتَبَارُوا تَجْتَمِعْ أمورُكم.
إِنَّ بَنِي الأُمِّ يَخْتَلفون، فكيف بِبَنِي العِلاَّتِ، وعليكم بالطَّاعَةِ والجماعةِ، وَلْتَكنْ فِعَالُكم أَفْضَلَ مِن قولِكم فإِنِّي أُحِبُّ للرجلِ أَنْ يكونَ لِعَمَلِهِ فَضْلٌ على لِسَانِهِ، واتَّقُوا الجَوَابَ وَزَلَّةَ اللِّسانِ؛ فإِنَّ الرجلَ تَزِلُّ قَدَمُهُ فَيَنْتَعِشُ مِن زَلَّتِهِ، ويَزِلُّ لِسَانُهُ فَيَهْلِكُ.
اعْرِفُوا لِمَنْ يَغْشَاكُم حَقَّهُ، فَكَفَى بِغُدُوِّ الرجلِ ورَوَاحِهِ إليكم تَذْكِرَةً لَهُ، وآثِرُوا الجُودَ على البُخْلِ، وأَحِبُّوا العَرَبَ واصْطَنِعُوا العَرَبَ؛ فإِنَّ الرجلَ مِن العَرَبِ تَعِدُهُ العِدَةَ فَيَمُوتُ دونَك، فكيف الصَّنِيعةُ عندَه؟!
وعليكم في الحَرْبِ بالأَنَاةِ والمَكِيدَةِ؛ فإِنَّها أَنْفَعُ في الحَرْبِ مِن الشَّجاعةِ وإذا كانَ اللِّقَاءُ نَزَلَ القَضَاءُ فَإِنْ أَخَذَ رَجَلٌ بالحَزْمِ فَظَهَرَ على عَدُوِّهِ قيل : أَتَى الأَمْرَ مِن وَجْهِهِ، ثم ظَفَرَ، فَحُمِدَ. وَإِنْ لم يَظْفَرْ بعدَ الأناةِ قيل : ما فَرَّطَ ولا ضَيَّعَ؛ ولكنَّ القَضَاءَ غَالِبٌ.
وعليكم بِقِرَاءَةِ القُرآنِ، وتَعْلِيمِ السُّننِ وأَدَبِ الصَّالحينَ، وإيَّاكم والخِفَّةَ وكثرةَ الكلامِ في مجالِسِكم.
وقد اسْتَخْلَفْتُ عليكم يزيدَ، وجعلتُ حَبِيبًا على الجُنْدِ حتى يَقْدُمَ بهم على يزيدَ، فلا تُخَالِفُوا يزيدَ.
فقال له المُفَضَّلُ :
لو لم تُقَدِّمْهُ لَقَدَّمْنَاهُ.

Twitter Facebook Whatsapp