وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنْ شَتَمَ وآذَى، ورَاحَ يَـهْجُو ذَاكَ ويُعَرِّضُ بِـهَذا، وهوَ في مُـحِيْطَاتِ عُيُوْبِهِ غَارِق، ومَسَاوِئُهُ تَسُدُّ المَغَارِبَ والمَشَارِق، ومَوْفُوْرُ العُيُوْبِ مَنِ امْتَلأَ بِالـخَطَايَا، فغَفَلَ عَنْهَا ورَاقَبَ عُيُوْبَ البَرَايَا.
وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ شَابّاً أَحَبَّ الأَدَب، وآتَاهُ اللهُ في الشِّعْرِ والنَّثْرِ ما أَحَبّ، فكَانَ كُلَّـمَا نَظَمَ قَصِيْدَة، أَوْ خَصَّ بِمَقَالاتِهِ جَرِيْدَة، لَـمْ يُسْمَعْ لَهُ ولَـمْ يُقْرَأ، وبِالإعْرَاضِ والتَّثْبِيْطِ يُفْجَأ، وكَانَ عَلَى ثِقَتِهِ بِمَا أَبْدَع، يَسْمَعُ لآخَرِيْنَ طُبُوْلاً تُقْرَع، وحِيْنَ يُفَتِّشُ في بَعْضِهَا عَنْ سَمِيْن، لا يَـجِدُ إلاّ جَعْجَعَةً ولا طَحِيْن، وكَانَ أَكْثَرَ ما أَثَارَ حَفِيْظَـتَه، وأَعْلَمَهُ قِيْمَةَ أَدَبِهِ وقِيْمَتَه، احْتِفَاءُ النَّاسِ بِالسَّاقِطِ والسَّاقِطَة، مَتَى تَقَيَّآ الرِّوَايَاتِ الـهَابِطَة، مَعَ خُلُوِّهَا مِنَ الإبْدَاعِ والإحْكَام، وعَزْفِهَا عَلَى وَتَرِ الـجِنْسِ والـحَرَام، وزَادَ غَبْنَهُ حِوَارٌ قَرَأَهُ في صَحِيْفَة، مَعَ سَاقِطَةٍ تُسَوِّقُ رِوَايَتَها السَّخِيْفَة، وتَزْعُمُ مِنْ فَرْطِ وَقَاحَتِهَا المُـتَنَاهِيَة، أَنَّـها تَدْعُو إلى الأَخْلاقِ السَّامِيَة، وأَنَّـها تُـجَرِّدُ الوَاقِعَ بِمَا فِيْه، لِيَسْهُلَ عِلاجُهُ عَلَى مُدَاوِيْه، وأَنَّـها بِكِتَابَةِ هَذْيِـهَا مُشْفِقَة، وكَمَنْ يُقَدِّمُ لِلْمُجْتَمَعِ صَدَقَة، وهوَ يَعْلَمُ عَنْها أَيَّامَ غَوَايَتِه، مَا تُـنَـزَّهُ الأَسْمَاعُ عَنْ رِوَايَتِه، فَكَمْ وَدَّ لَوْ أَنْ صَاحَ في وَجْهِهَا: ارْفُقِي، لَكِ الوَيْلُ لا تَـهْذِي وَلا تَـتَصَدَّقِي.
فلَـمَّا رَأَى صَاحِبُنا ضَيْعَةَ الأَدَب، وانْصِرَافَ النَّاسِ إلى (قِلَّةِ الأَدَب)، رَغِبَ أَنْ يُعِيْدَهُمْ إلى حِيَاضِه، وأَنْ يَـجْنِـيَهُمْ مِنْ أَزَاهِيْرِ رِيَاضِه، فمَزَجَ مَعَ رَغْبَتِهِ تِلْكَ سُخْطَهُ السَّالِف، وجَمَعَ بِيْنَ السُّخْرِيَةِ والأَدَبِ الـهَادِف، وصَاغَ لَـهُمْ جُمْلَةً مِنَ الأَحَادِيْث، وصَبَّها في قَالَبٍ تُرَاثِيٍّ حَدِيْث، وأَخَذَ مِنَ الـحُسْنَـيَـيْنِ المَحَاسِن، لِتَسْهُلَ عَلَى الفَصِيْحِ واللاّحِن، واخْتَلَقَ في بِدَايَاتِـها الأَمْثَال، وجَنَّحَ في تَفَاصِيْلِها بِالـخَيَال، وزَخْرَفَ طَيَّاتِـها بِالنَّثْرِ المَسْجُوْع، ووَشَّى نَسْجَها بِالشِّعْرِ المَطْبُوْع، فحِيْناً يَنْظُـرُ إلى الوَاقِعِ ويُـحَاذِيْه، وفي أَحْيَانٍ أُخْرَى يُبَالِغُ فِيْه، والعَارِفُ بِمَقَاصِدِ الأَدَبِ وشُجُوْنِه، يُدْرِكُ أَنَّ التَّهْوِيْلَ أَعْذَبُ فُنُوْنِه.
وكَانَ يَأْمُلُ أَنْ يَـحْظَى عَمَلُهُ بِالقَبُوْل، وأَنْ يَـخْلُصَ مِنْ قَلَمِ العَاتِبِ والـجَهُوْل، فبَيَّنَ أَنَّهُ حِيْنَمَـا اجْتَـرَأ، لَـمْ يُنَـزِّهْ نَفْسَهُ عَنِ الـخَطَأ، ومَا هُوَ إلاّ عُضْوٌ في جَسَد، وطَالَـمَا وَقَعَ فِيْما انْتَقَد، وعَابَ قَوْماً بِـبَعْضِ ما فِيْه، وقَلَّدَ الـحُطَيْئَةَ في قَوَافِيْه، ولِذا أَوْدَعَ عَمَلَهُ هَذا الإيْضَاح، والْتَمَسَ مِنْ مُسِيْئِي فَهْمِهِ السَّمَاح، وسَأَلَ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ ذُنُوْبَه، وأَنْ يُنِيْرَ بِالـهِدَايَةِ دُرُوْبَه، ثُمَّ لَـجَّ في الاسْتِغْفَار، وأَنْشَدَ ودَمْعُهُ مِدْرَار:
إلَـهِي جَلَّ مِنِّي الـخِزْيُ فَاغْفِرْ *** لِلاَهٍ في مَـخَازِيْهِ لَعُوْبِ
دَعَوْتَ المُسْرِفِيْنَ: عِبَادِيَ ادْعُوا *** أُجِبْكُمْ، فَاسْتَجِبْ لي وَامْحُ حُوْبي
فَمَنْ لِي إنْ سَخِطْتَ سِوَاكَ رَبِّي *** وَقَدْ ضَاقَتْ بِخُطْوَاتِي دُرُوْبي؟
وَتَدْرِي أَنَّنِي عَاصٍ، وَأَدْرِي *** بِأَنَّكَ أَنْتَ غَفَّارُ الذُّنُوْبِ
وَهَذِي أَدْمُعِي سَحَّتْ رَجَاءً *** وَتُوْشِكُ أَنْ تَكُفَّ مِنَ النُّضُوْبِ
وَوَجْهِي اصْفَـرَّ خَشْيَةَ مَا سَيَلْقَى *** وهَا هُوَ سَاهِمٌ بَادِي الشُّحُوْبِ
أُقِرُّ بِأَنَّنِي عَاصٍ، وَعِنْدِي *** مِنَ الزَّلاَّتِ مُـخْتَلِفُ الضُّرُوْبِ
وَأَقْبَحُ مَا لَدَيَّ مِنَ الـخَطَايَا *** مُبَادَأَتِي عِبَادَكَ بِالـحُرُوْبِ
أُهَاجِي ذَاكَ، ثُمَّ أَذُمُّ هَذَا *** وَأَرْمِي غَافِلاً مِنْهُمْ بِطُوْبي
وَأَبْحَثُ عَنْ عُيُوْبِهُمُ، وَعَيْبِي *** أَحَقُّ بِـبَحْثِ مَغْرُوْرٍ كَذُوْبِ
وَمَا مَيَّزْتَنِي عَنْهُمْ، وَلَكِنْ *** يَعِيْبُ النَّاسَ مَوْفُوْرُ العُيُوْبِ
فَيَا مَوْلاَيَ بَلِّغْنِي رَشَادِي *** وَيَا نَـفْسِـي إلى مَوْلاَكِ تُوْبي
وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ شَابّاً أَحَبَّ الأَدَب، وآتَاهُ اللهُ في الشِّعْرِ والنَّثْرِ ما أَحَبّ، فكَانَ كُلَّـمَا نَظَمَ قَصِيْدَة، أَوْ خَصَّ بِمَقَالاتِهِ جَرِيْدَة، لَـمْ يُسْمَعْ لَهُ ولَـمْ يُقْرَأ، وبِالإعْرَاضِ والتَّثْبِيْطِ يُفْجَأ، وكَانَ عَلَى ثِقَتِهِ بِمَا أَبْدَع، يَسْمَعُ لآخَرِيْنَ طُبُوْلاً تُقْرَع، وحِيْنَ يُفَتِّشُ في بَعْضِهَا عَنْ سَمِيْن، لا يَـجِدُ إلاّ جَعْجَعَةً ولا طَحِيْن، وكَانَ أَكْثَرَ ما أَثَارَ حَفِيْظَـتَه، وأَعْلَمَهُ قِيْمَةَ أَدَبِهِ وقِيْمَتَه، احْتِفَاءُ النَّاسِ بِالسَّاقِطِ والسَّاقِطَة، مَتَى تَقَيَّآ الرِّوَايَاتِ الـهَابِطَة، مَعَ خُلُوِّهَا مِنَ الإبْدَاعِ والإحْكَام، وعَزْفِهَا عَلَى وَتَرِ الـجِنْسِ والـحَرَام، وزَادَ غَبْنَهُ حِوَارٌ قَرَأَهُ في صَحِيْفَة، مَعَ سَاقِطَةٍ تُسَوِّقُ رِوَايَتَها السَّخِيْفَة، وتَزْعُمُ مِنْ فَرْطِ وَقَاحَتِهَا المُـتَنَاهِيَة، أَنَّـها تَدْعُو إلى الأَخْلاقِ السَّامِيَة، وأَنَّـها تُـجَرِّدُ الوَاقِعَ بِمَا فِيْه، لِيَسْهُلَ عِلاجُهُ عَلَى مُدَاوِيْه، وأَنَّـها بِكِتَابَةِ هَذْيِـهَا مُشْفِقَة، وكَمَنْ يُقَدِّمُ لِلْمُجْتَمَعِ صَدَقَة، وهوَ يَعْلَمُ عَنْها أَيَّامَ غَوَايَتِه، مَا تُـنَـزَّهُ الأَسْمَاعُ عَنْ رِوَايَتِه، فَكَمْ وَدَّ لَوْ أَنْ صَاحَ في وَجْهِهَا: ارْفُقِي، لَكِ الوَيْلُ لا تَـهْذِي وَلا تَـتَصَدَّقِي.
فلَـمَّا رَأَى صَاحِبُنا ضَيْعَةَ الأَدَب، وانْصِرَافَ النَّاسِ إلى (قِلَّةِ الأَدَب)، رَغِبَ أَنْ يُعِيْدَهُمْ إلى حِيَاضِه، وأَنْ يَـجْنِـيَهُمْ مِنْ أَزَاهِيْرِ رِيَاضِه، فمَزَجَ مَعَ رَغْبَتِهِ تِلْكَ سُخْطَهُ السَّالِف، وجَمَعَ بِيْنَ السُّخْرِيَةِ والأَدَبِ الـهَادِف، وصَاغَ لَـهُمْ جُمْلَةً مِنَ الأَحَادِيْث، وصَبَّها في قَالَبٍ تُرَاثِيٍّ حَدِيْث، وأَخَذَ مِنَ الـحُسْنَـيَـيْنِ المَحَاسِن، لِتَسْهُلَ عَلَى الفَصِيْحِ واللاّحِن، واخْتَلَقَ في بِدَايَاتِـها الأَمْثَال، وجَنَّحَ في تَفَاصِيْلِها بِالـخَيَال، وزَخْرَفَ طَيَّاتِـها بِالنَّثْرِ المَسْجُوْع، ووَشَّى نَسْجَها بِالشِّعْرِ المَطْبُوْع، فحِيْناً يَنْظُـرُ إلى الوَاقِعِ ويُـحَاذِيْه، وفي أَحْيَانٍ أُخْرَى يُبَالِغُ فِيْه، والعَارِفُ بِمَقَاصِدِ الأَدَبِ وشُجُوْنِه، يُدْرِكُ أَنَّ التَّهْوِيْلَ أَعْذَبُ فُنُوْنِه.
وكَانَ يَأْمُلُ أَنْ يَـحْظَى عَمَلُهُ بِالقَبُوْل، وأَنْ يَـخْلُصَ مِنْ قَلَمِ العَاتِبِ والـجَهُوْل، فبَيَّنَ أَنَّهُ حِيْنَمَـا اجْتَـرَأ، لَـمْ يُنَـزِّهْ نَفْسَهُ عَنِ الـخَطَأ، ومَا هُوَ إلاّ عُضْوٌ في جَسَد، وطَالَـمَا وَقَعَ فِيْما انْتَقَد، وعَابَ قَوْماً بِـبَعْضِ ما فِيْه، وقَلَّدَ الـحُطَيْئَةَ في قَوَافِيْه، ولِذا أَوْدَعَ عَمَلَهُ هَذا الإيْضَاح، والْتَمَسَ مِنْ مُسِيْئِي فَهْمِهِ السَّمَاح، وسَأَلَ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ ذُنُوْبَه، وأَنْ يُنِيْرَ بِالـهِدَايَةِ دُرُوْبَه، ثُمَّ لَـجَّ في الاسْتِغْفَار، وأَنْشَدَ ودَمْعُهُ مِدْرَار:
إلَـهِي جَلَّ مِنِّي الـخِزْيُ فَاغْفِرْ *** لِلاَهٍ في مَـخَازِيْهِ لَعُوْبِ
دَعَوْتَ المُسْرِفِيْنَ: عِبَادِيَ ادْعُوا *** أُجِبْكُمْ، فَاسْتَجِبْ لي وَامْحُ حُوْبي
فَمَنْ لِي إنْ سَخِطْتَ سِوَاكَ رَبِّي *** وَقَدْ ضَاقَتْ بِخُطْوَاتِي دُرُوْبي؟
وَتَدْرِي أَنَّنِي عَاصٍ، وَأَدْرِي *** بِأَنَّكَ أَنْتَ غَفَّارُ الذُّنُوْبِ
وَهَذِي أَدْمُعِي سَحَّتْ رَجَاءً *** وَتُوْشِكُ أَنْ تَكُفَّ مِنَ النُّضُوْبِ
وَوَجْهِي اصْفَـرَّ خَشْيَةَ مَا سَيَلْقَى *** وهَا هُوَ سَاهِمٌ بَادِي الشُّحُوْبِ
أُقِرُّ بِأَنَّنِي عَاصٍ، وَعِنْدِي *** مِنَ الزَّلاَّتِ مُـخْتَلِفُ الضُّرُوْبِ
وَأَقْبَحُ مَا لَدَيَّ مِنَ الـخَطَايَا *** مُبَادَأَتِي عِبَادَكَ بِالـحُرُوْبِ
أُهَاجِي ذَاكَ، ثُمَّ أَذُمُّ هَذَا *** وَأَرْمِي غَافِلاً مِنْهُمْ بِطُوْبي
وَأَبْحَثُ عَنْ عُيُوْبِهُمُ، وَعَيْبِي *** أَحَقُّ بِـبَحْثِ مَغْرُوْرٍ كَذُوْبِ
وَمَا مَيَّزْتَنِي عَنْهُمْ، وَلَكِنْ *** يَعِيْبُ النَّاسَ مَوْفُوْرُ العُيُوْبِ
فَيَا مَوْلاَيَ بَلِّغْنِي رَشَادِي *** وَيَا نَـفْسِـي إلى مَوْلاَكِ تُوْبي