وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنْ جَحَدَ الفَضْلَ الـجَزِيْل، وتَنَاسَى كُلَّ مَا صُنِعَ بِهِ مِنْ جَمِيْل، وَخُصَّتِ الأُنْثَى بِالنُّكْرَان، لِكَوْنِـها أَسْرَعَ إلى النِّسْيَان، ولأَنَّـها مَطْبُوْعَةٌ عَلَى الشَّكْوَى، وعَلَى غَيْرِ الـخِصَامِ لا تَقْوَى.
وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ شَابّاً كَثِيْرَ المَال، بَلَغَ بِعُمْرِهِ وعَقْلِهِ مَبْلَغَ الرِّجَال، وكانَ أَهْلُهُ يُشِيْرُوْنَ عَليهِ بالزَّوَاج، مِنْ فَـتَاةٍ كَثِيْرَةِ المَالِ مِغْنَاج، فكَانَ يَرْفُضُ كُلَّ الرَّفْض، ولا يَقْبَلُ مِنْهُمْ أَيَّ عَرْض، إذْ كَانَ سَمِعَ مِنْ مُعَلِّمِه، جُمْلَةً مُـخْتَارَةً مِنْ حِكَمِه، ومِنْ بَيْنِ ما سَمِعَهُ ووَعَاه، مِنْ تِلْكَ الـحِكَمِ ما مَعْنَاه:
خَيْرُ الـجِيَادِ الـحَسِيْبَةُ الكَرِيْمَة، وخَيْرُ النِّسَاءِ الفَقِيْرَةُ الدَّمِيْمَة، فالـجَوَادُ الـحَسِيْبُ يَفُوْزُ في السِّبَاق، والمَرْأَةُ الفَقِيْرَةُ تَصْبِرُ عَلَى الإمْلاق، وتَشْكُرُ في كُثْرِها وقُلِّها، وتَـخْشَى العَوْدَةَ إلى أَهْلِها، كَمَا أنَّ الدَّمَامَةَ تُوْرِثُ الـخُلْقَ القَوِيْم، وتُكْسِبُ الزَّوْجَ الأَجْرَ العَظِيْم، وتُبْعِدُ عَنِ الزَّوْجَةِ الأَنْظَار، وتُرِيْحُ الزَّوْجَ مِنَ العَار، وذَلِكَ كُلُّهُ أَحْرَى لِلتَّوْفِيْق، وبِالدَّوَامِ والسَّعَادَةِ خَلِيْق.
فعَزَمَ الشَّابُّ عَلَى الزَّوَاجِ مِنْ فَـتَاة، لا تَـحْمِلُ إلاّ تِلْكَ الصِّفَات، فتَـرَكَ مَدِيْنَـتَهُ المَعْمُوْرَة، وبَحَثَ في القُرَى المَهْجُوْرَة، إلى أنْ وَجَدَ دَاراً مُـخِيْفَة، هَوَتْ مِنْ أَعْلاها السَّقِيْفَة، وأَمَامَ البَابِ شَيْخٌ مُسِنّ، لَـمْ يَبْقَ في فَمِهِ سِنّ، ورَأَى خَلْفَهُ فَـتَاةً ظَاهِرَةَ الـحَوَل، يُطِلُّ مِنْ هُوَّةِ أَنْفِها جُعَل، وأَسْنَانُـها بَارِزَةٌ لِلأَمَام، ولِلسُّوْسِ فِيها أَهْنَأُ مَقَام، وكَانَتْ تَنْفِضُ القَمْلَ عَلَى العَتَـبَة، وتَلْهُو بِعَظْمَةٍ وخَشَبَة، فَسُرَّ بِمَرْآها الغُلام، وقالَ: هِيَ غَايَةُ المَرَام، فنَقَدَ أَبَاها المَال، وتَزَوَّجَها في الـحَال، فأَصْلَحَ مِنْها ما يُمْكِنُ إصْلاحُه، وطَارَ بِـها تَـحْدُوْهُ أَفْرَاحُه، وأَسْكَنَها قَصْرَهُ المَهِيْب، وكَاشَفَها بِغَرَامِهِ المُذِيْب، ثُمَّ أَجْرَى لَـها مِئةَ عَمَلِيَّةِ تَـجْمِيْل، مَعَ أَنَّ هَيْئتَها لا تَقْبَلُ التَّعْدِيْل، واشْتَـرَى لَـها الذَّهَبَ والأَلْـمَاس، وفَاخِرَ الزِّيْنَةِ واللِّبَاس، وخَصَّها بِسَائقَيْنِ وثَلاثِ خَادِمَات، وجَعَلَهُمْ رَهْنَ إشَارَتِـها كُلَّ الأَوْقَات، ومَنَحَها مَا لَيْسَ عَلَيْهِ مَزِيْد، وصَارَ لَـها في المَصْرِفِ رَصِيْد، كَمَا طَافَ بِـها البُلْدَانَ والمَعَالِـم، وأَطْعَمَها في أَفْخَرِ المَطَاعِم، وعَلَّمَها الأَكْلَ بِالمِلْعَقَة، وكَانَتْ تَـحْسَبُها مِطْرَقَة، وظَلاّ أَعْوَاماً عَلَى هَذِهِ الـحَال، في أَتَمِّ نُعْمَى وأَسْعَدِ بَال.
وفي لَيْلَةٍ حَالِكَةٍ بَطِيْئةِ النُّجُوْم، دَخَلَ الزَّوْجُ بَيْتَهُ وهوَ مَهْمُوْم، فنَسِـيَ أَمْرَ الشَّرِيْكَة، ونَامَ عَلَى الأَرِيْكَة، وكَانَتْ زَوْجَتُهُ تَنْتَظِرُهُ في الغُرْفَة، وتَرْتَقِبُ دُخُوْلَهُ عَلَيْها في لَـهْفَة، فلَـمَّا اسْتَبْطَأَتْ مَـجِيْئهُ إلَيْها، وخَيَّمَتْ سَطْوَةُ المَلَلِ عَلَيْها، عَلاها الوَجَلُ والارْتِبَاك، إلى أَنْ أُخْبِرَتْ بِنَوْمِهِ هُنَاك، فهَبَطَتْ إليهِ مُسْرِعَةً مُـجِدَّة، وسَحَبَتْ مِنْ تَـحْتِ رَأْسِهِ المَخَدَّة، وجَذَبَتْهُ مِنْ كَتِفَيْه، ثُمَّ صَرَخَتْ عَلَيْه:
أَلاَ سُحْقاً لِبُرُوْدِكَ يا أَلأَمَ اللُّؤَمَاء، تَـتْـرُكُنِي وَحْدِي وتَنَامُ في هَنَاء، وَاللهِ إنَّنِي أَعْلَمُ أَنَّكَ خَسِيْس، لَـمْ أَلْقَ مَعَكَ إلاّ العَيْشَ التَّعِيْس، صَبَرْتُ عَلَيْكَ السِّنِيْنَ الطِّوَال، ولَـمْ أَجِدْ مِنْكَ غَيْرَ الإهْمَال، وبَذَلْتُ لَكَ النَّفِيْسَ الغَالي، وأَنْتَ بي لا تُبَالي، وحَمَلْتُ لأَجْلِكَ الأَحْمَال، وأَنْتَ لا مَالَ ولا جَمَال، وإلاّ قُلْ لي مَنْ تَصْبِرُ عَلَى نَكَدِك، وتَرْضَى أَنْ تَضَعَ يَدَها في يَدِك؟، إلاّ مَنْحُوْسَةٌ مِثْلي، بَاعَنِي لَكَ أَهْلي، وقَدْ كانَ الـخُطَّابُ مِنْ كُلِّ الـجِهَات، يَرْقُبُوْنَ مِنِّي أَدْنَى الْتِفَات، فلَيْتَ أَنَّنِي عَانِس، ولَـمْ أَتَزَوَّجْكَ يا بَائس، فقُمْ أَيُّـها المَجْنُوْن، وأَحْضِرِ الـمَأْذُوْن، فلا صَبْرَ لي عَلَى العَيْشِ الـجَدِيْب، ولا النَّظَرِ إلى وَجْهِكَ الكَئيْب.
وما زَالَتْ تَصِيْحُ وتَشْتُم، وتَرْكُلُ المِسْكِيْنَ وتَلْكُم، وهوَ في مَكَانِهِ مُنْكَمِش، ومِنَ الرَّهْبَةِ يَرْتَعِش، ثُمَّ نَـهَضَ مِنْ أَرِيْكَتِهِ واعْتَدَل، ونَفَثَ عَنْ شِمَالِهِ وتَفَل، فعَادَتْ إليهِ بَعْضُ السَّكِيْنَة، وأَحْكَمَ سَيْطَرَتَهُ عَلَى السَّفِيْنَة، ولَوْ سَدَّدَ لَـها ضَرْبَةً في الرَّاس، لَسَقَطَتْ مِنْها خَمْسَةُ أَضْرَاس، ولَكِنَّهُ آثَـرَ الصَّمْتَ والانْكِفَاء، وعَلِمَ أنَّـها طَبِيْعَةُ النِّسَاء، ولا حِيْلَةَ فِيها ولا جَدْوَى، فدَعا بِالصَّبْرِ عَلَى البَلْوَى، ثُمَّ أَخْرَجَ قِرْطَاسَهُ وقَلَمَه، وكَتَبَ وهوَ يُغَالِبَ أَلَـمَه:
تَـمَادَتْ بي تَـبَارِيْـحي *** فَيَا لِـلَّـهِ ما أَلْقَى
وَمَادَتْ بي ذُرَى صَبْري *** وَكَانَ الصَّبْرُ لي خُلْقا
تَزَوَّجْتُ التي أَرْجُو *** فَمَا أَقْبَحَها خَلْقا
تَـرَى فِيْها ثآليلاً *** وأَنْيَاباً لَـهَا زُرْقا
فَإنْ شَبَّهْتَها يَوْماً *** بِنَسْـنَاسٍ فَلا فَرْقا
فَأَوْسَعْتُ لَـهَا قَلْبي *** وَتُيِّمْتُ بِـهَا عِشْقا
وَقَدْ أَكْرَمْتُ مَثْوَاها *** وَلاقَتْ مِنِّيَ الرِّفْقا
وَأَحْسَنْتُ لَها دَهْراً *** وَطُفْنَا الغَرْبَ والشَّرْقا
وَقُلْتُ: الآنَ أَجْنِي مِنْ *** نُخَيْلاتِ الرِّضَا عِذْقا
فَمَا صَحَّتْ حِسَابَاتي *** وَلا حَدْسِـي بِـهَا اسْتَوْقى
فَمَا أَخْيَبَ آمالي *** وَمَا أَكْثَرَنِي حُمْقا
رَأَتْنِي أَشْتَـكِي هَـمِّي *** وَأَحْزَانِي مَعِي غَرْقى
فَلَمْ تُسْعِفْ بِإنْجَادٍ *** ولَـمْ تَـرْتِقْ مَعِي فَتْقا
وَظَنَّتْ أَنَّنِي سَالٍ *** وَخَالَتْ ظَنَّها حَقّا
فَجَرَّتْنِي عَلَى وَجْهِي *** وَقَالَتْ لي: أَلاَ سُحْقا
تَنَاسَتْ كُلَّ إحْسَاني *** وَأَرْخَتْ لِلْخَنَا شِدْقا
وَخَصَّتْنِي بأَوْصافٍ *** إلى الـخِـنْـزِيْـرِ لا تَـرْقى
وَظَلَّتْ تَـكْفُرُ النُّعْمَى *** وَتَـرْجُو مِنِّيَ العِتْقا
لأَنَّ البُؤْسَ أَضْنَاها! *** وَشُحِّي زَادَها خَنْقا!
فَلا أَجْحَدَ مِنْ أُنْثَى *** وَلا أَغْبَى وَلا أَشْقى
وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ شَابّاً كَثِيْرَ المَال، بَلَغَ بِعُمْرِهِ وعَقْلِهِ مَبْلَغَ الرِّجَال، وكانَ أَهْلُهُ يُشِيْرُوْنَ عَليهِ بالزَّوَاج، مِنْ فَـتَاةٍ كَثِيْرَةِ المَالِ مِغْنَاج، فكَانَ يَرْفُضُ كُلَّ الرَّفْض، ولا يَقْبَلُ مِنْهُمْ أَيَّ عَرْض، إذْ كَانَ سَمِعَ مِنْ مُعَلِّمِه، جُمْلَةً مُـخْتَارَةً مِنْ حِكَمِه، ومِنْ بَيْنِ ما سَمِعَهُ ووَعَاه، مِنْ تِلْكَ الـحِكَمِ ما مَعْنَاه:
خَيْرُ الـجِيَادِ الـحَسِيْبَةُ الكَرِيْمَة، وخَيْرُ النِّسَاءِ الفَقِيْرَةُ الدَّمِيْمَة، فالـجَوَادُ الـحَسِيْبُ يَفُوْزُ في السِّبَاق، والمَرْأَةُ الفَقِيْرَةُ تَصْبِرُ عَلَى الإمْلاق، وتَشْكُرُ في كُثْرِها وقُلِّها، وتَـخْشَى العَوْدَةَ إلى أَهْلِها، كَمَا أنَّ الدَّمَامَةَ تُوْرِثُ الـخُلْقَ القَوِيْم، وتُكْسِبُ الزَّوْجَ الأَجْرَ العَظِيْم، وتُبْعِدُ عَنِ الزَّوْجَةِ الأَنْظَار، وتُرِيْحُ الزَّوْجَ مِنَ العَار، وذَلِكَ كُلُّهُ أَحْرَى لِلتَّوْفِيْق، وبِالدَّوَامِ والسَّعَادَةِ خَلِيْق.
فعَزَمَ الشَّابُّ عَلَى الزَّوَاجِ مِنْ فَـتَاة، لا تَـحْمِلُ إلاّ تِلْكَ الصِّفَات، فتَـرَكَ مَدِيْنَـتَهُ المَعْمُوْرَة، وبَحَثَ في القُرَى المَهْجُوْرَة، إلى أنْ وَجَدَ دَاراً مُـخِيْفَة، هَوَتْ مِنْ أَعْلاها السَّقِيْفَة، وأَمَامَ البَابِ شَيْخٌ مُسِنّ، لَـمْ يَبْقَ في فَمِهِ سِنّ، ورَأَى خَلْفَهُ فَـتَاةً ظَاهِرَةَ الـحَوَل، يُطِلُّ مِنْ هُوَّةِ أَنْفِها جُعَل، وأَسْنَانُـها بَارِزَةٌ لِلأَمَام، ولِلسُّوْسِ فِيها أَهْنَأُ مَقَام، وكَانَتْ تَنْفِضُ القَمْلَ عَلَى العَتَـبَة، وتَلْهُو بِعَظْمَةٍ وخَشَبَة، فَسُرَّ بِمَرْآها الغُلام، وقالَ: هِيَ غَايَةُ المَرَام، فنَقَدَ أَبَاها المَال، وتَزَوَّجَها في الـحَال، فأَصْلَحَ مِنْها ما يُمْكِنُ إصْلاحُه، وطَارَ بِـها تَـحْدُوْهُ أَفْرَاحُه، وأَسْكَنَها قَصْرَهُ المَهِيْب، وكَاشَفَها بِغَرَامِهِ المُذِيْب، ثُمَّ أَجْرَى لَـها مِئةَ عَمَلِيَّةِ تَـجْمِيْل، مَعَ أَنَّ هَيْئتَها لا تَقْبَلُ التَّعْدِيْل، واشْتَـرَى لَـها الذَّهَبَ والأَلْـمَاس، وفَاخِرَ الزِّيْنَةِ واللِّبَاس، وخَصَّها بِسَائقَيْنِ وثَلاثِ خَادِمَات، وجَعَلَهُمْ رَهْنَ إشَارَتِـها كُلَّ الأَوْقَات، ومَنَحَها مَا لَيْسَ عَلَيْهِ مَزِيْد، وصَارَ لَـها في المَصْرِفِ رَصِيْد، كَمَا طَافَ بِـها البُلْدَانَ والمَعَالِـم، وأَطْعَمَها في أَفْخَرِ المَطَاعِم، وعَلَّمَها الأَكْلَ بِالمِلْعَقَة، وكَانَتْ تَـحْسَبُها مِطْرَقَة، وظَلاّ أَعْوَاماً عَلَى هَذِهِ الـحَال، في أَتَمِّ نُعْمَى وأَسْعَدِ بَال.
وفي لَيْلَةٍ حَالِكَةٍ بَطِيْئةِ النُّجُوْم، دَخَلَ الزَّوْجُ بَيْتَهُ وهوَ مَهْمُوْم، فنَسِـيَ أَمْرَ الشَّرِيْكَة، ونَامَ عَلَى الأَرِيْكَة، وكَانَتْ زَوْجَتُهُ تَنْتَظِرُهُ في الغُرْفَة، وتَرْتَقِبُ دُخُوْلَهُ عَلَيْها في لَـهْفَة، فلَـمَّا اسْتَبْطَأَتْ مَـجِيْئهُ إلَيْها، وخَيَّمَتْ سَطْوَةُ المَلَلِ عَلَيْها، عَلاها الوَجَلُ والارْتِبَاك، إلى أَنْ أُخْبِرَتْ بِنَوْمِهِ هُنَاك، فهَبَطَتْ إليهِ مُسْرِعَةً مُـجِدَّة، وسَحَبَتْ مِنْ تَـحْتِ رَأْسِهِ المَخَدَّة، وجَذَبَتْهُ مِنْ كَتِفَيْه، ثُمَّ صَرَخَتْ عَلَيْه:
أَلاَ سُحْقاً لِبُرُوْدِكَ يا أَلأَمَ اللُّؤَمَاء، تَـتْـرُكُنِي وَحْدِي وتَنَامُ في هَنَاء، وَاللهِ إنَّنِي أَعْلَمُ أَنَّكَ خَسِيْس، لَـمْ أَلْقَ مَعَكَ إلاّ العَيْشَ التَّعِيْس، صَبَرْتُ عَلَيْكَ السِّنِيْنَ الطِّوَال، ولَـمْ أَجِدْ مِنْكَ غَيْرَ الإهْمَال، وبَذَلْتُ لَكَ النَّفِيْسَ الغَالي، وأَنْتَ بي لا تُبَالي، وحَمَلْتُ لأَجْلِكَ الأَحْمَال، وأَنْتَ لا مَالَ ولا جَمَال، وإلاّ قُلْ لي مَنْ تَصْبِرُ عَلَى نَكَدِك، وتَرْضَى أَنْ تَضَعَ يَدَها في يَدِك؟، إلاّ مَنْحُوْسَةٌ مِثْلي، بَاعَنِي لَكَ أَهْلي، وقَدْ كانَ الـخُطَّابُ مِنْ كُلِّ الـجِهَات، يَرْقُبُوْنَ مِنِّي أَدْنَى الْتِفَات، فلَيْتَ أَنَّنِي عَانِس، ولَـمْ أَتَزَوَّجْكَ يا بَائس، فقُمْ أَيُّـها المَجْنُوْن، وأَحْضِرِ الـمَأْذُوْن، فلا صَبْرَ لي عَلَى العَيْشِ الـجَدِيْب، ولا النَّظَرِ إلى وَجْهِكَ الكَئيْب.
وما زَالَتْ تَصِيْحُ وتَشْتُم، وتَرْكُلُ المِسْكِيْنَ وتَلْكُم، وهوَ في مَكَانِهِ مُنْكَمِش، ومِنَ الرَّهْبَةِ يَرْتَعِش، ثُمَّ نَـهَضَ مِنْ أَرِيْكَتِهِ واعْتَدَل، ونَفَثَ عَنْ شِمَالِهِ وتَفَل، فعَادَتْ إليهِ بَعْضُ السَّكِيْنَة، وأَحْكَمَ سَيْطَرَتَهُ عَلَى السَّفِيْنَة، ولَوْ سَدَّدَ لَـها ضَرْبَةً في الرَّاس، لَسَقَطَتْ مِنْها خَمْسَةُ أَضْرَاس، ولَكِنَّهُ آثَـرَ الصَّمْتَ والانْكِفَاء، وعَلِمَ أنَّـها طَبِيْعَةُ النِّسَاء، ولا حِيْلَةَ فِيها ولا جَدْوَى، فدَعا بِالصَّبْرِ عَلَى البَلْوَى، ثُمَّ أَخْرَجَ قِرْطَاسَهُ وقَلَمَه، وكَتَبَ وهوَ يُغَالِبَ أَلَـمَه:
تَـمَادَتْ بي تَـبَارِيْـحي *** فَيَا لِـلَّـهِ ما أَلْقَى
وَمَادَتْ بي ذُرَى صَبْري *** وَكَانَ الصَّبْرُ لي خُلْقا
تَزَوَّجْتُ التي أَرْجُو *** فَمَا أَقْبَحَها خَلْقا
تَـرَى فِيْها ثآليلاً *** وأَنْيَاباً لَـهَا زُرْقا
فَإنْ شَبَّهْتَها يَوْماً *** بِنَسْـنَاسٍ فَلا فَرْقا
فَأَوْسَعْتُ لَـهَا قَلْبي *** وَتُيِّمْتُ بِـهَا عِشْقا
وَقَدْ أَكْرَمْتُ مَثْوَاها *** وَلاقَتْ مِنِّيَ الرِّفْقا
وَأَحْسَنْتُ لَها دَهْراً *** وَطُفْنَا الغَرْبَ والشَّرْقا
وَقُلْتُ: الآنَ أَجْنِي مِنْ *** نُخَيْلاتِ الرِّضَا عِذْقا
فَمَا صَحَّتْ حِسَابَاتي *** وَلا حَدْسِـي بِـهَا اسْتَوْقى
فَمَا أَخْيَبَ آمالي *** وَمَا أَكْثَرَنِي حُمْقا
رَأَتْنِي أَشْتَـكِي هَـمِّي *** وَأَحْزَانِي مَعِي غَرْقى
فَلَمْ تُسْعِفْ بِإنْجَادٍ *** ولَـمْ تَـرْتِقْ مَعِي فَتْقا
وَظَنَّتْ أَنَّنِي سَالٍ *** وَخَالَتْ ظَنَّها حَقّا
فَجَرَّتْنِي عَلَى وَجْهِي *** وَقَالَتْ لي: أَلاَ سُحْقا
تَنَاسَتْ كُلَّ إحْسَاني *** وَأَرْخَتْ لِلْخَنَا شِدْقا
وَخَصَّتْنِي بأَوْصافٍ *** إلى الـخِـنْـزِيْـرِ لا تَـرْقى
وَظَلَّتْ تَـكْفُرُ النُّعْمَى *** وَتَـرْجُو مِنِّيَ العِتْقا
لأَنَّ البُؤْسَ أَضْنَاها! *** وَشُحِّي زَادَها خَنْقا!
فَلا أَجْحَدَ مِنْ أُنْثَى *** وَلا أَغْبَى وَلا أَشْقى