وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ في الأَمْرِ ظَاهِرُهُ الـخَيْر، وبَاطِنُهُ يَنْطَوِي عَلَى الشَّرِّ والضَّيْر، والانْتِخَابُ اخْتِيَارُ المُنَاسِب، لِيَقُوْمَ عَلَى بَعْضِ المَـنَاصِب، وقَدْ يُتَّخَذُ ذَرِيْعَةً لِلْوَجَاهَةِ والمَغَانِم، وتُبْذَلُ في سَبِيْلِهِ الأَمْوَالُ والوَلائم، وطَالَـمَا تَـحَزَّبَتْ في الانْتِخَابِ فِئات، فجَادُوا عَلَى مُرَشَّحِهِمْ بِالأَصْوَات، لِكَوْنِهِ أَجْزَلَ لَـهُمُ الوُعُوْد، أَوِ انْتَخَى بِـهِمُ الآبَاءَ والـجُدُوْد.
وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ زَعِيْمَ بَادِيَة، اسْتَقَرَّ بِرَعِيَّتِهِ في بُقْعَةٍ نَائيَة، ولَـمْ يَزَالُوا يُثْنُوْنَ عَلَى سِيْرَتِه، وعَلَى عَدْلِهِ في سِيَاسَةِ عَشِيْرَتِه، وكَانَ عَلَى الـجِوَارِ مِنْهُمْ أَعَاجِم، لَـهُمْ عَادَةٌ في اخْتِيَارِ الـحَاكِم، حَيْثُ كَانُوا يَـجْتَمِعُوْنَ ويَـخْتَارُوْن، ثُمَّ يُقَاسِمُوْنَهُ إدَارَةَ الشُّؤُوْن، وإنْ خَالَفَهُمْ في أَمْرٍ عَزَلُوْه، ورُبَّمَـا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وقَـتَلُوْه، وعَلِمَ أَحَدُ الرُّعَاةِ بِـتِلْكَ العَادَة، وكَانَ مَوْلَىً دَخِيْلاً يَكْرَهُ أَسْيَادَه، فأَفْشَى ما رَآهُ بَيْنَ الرُّعْيَان، واقْتَـرَحَ عَلَيْهِمْ تَقْلِيْدَ الـجِيْرَان، فكَاشَفُوا زَعِيْمَهُمْ بِالاقْتِرَاح، وأَثْقَلُوا عَلَيْهِ بِالإلْـحَاح، وعَـرَضُوا عَلَيْهِ إقْرَارَ الانْتِخَاب، عَلَى أَنْ يَظَلَّ مَـحْمِيَّ الـجَنَاب، ويَـخْتَارَ هُوَ الوُزَرَاءَ والأَتْبَاع، ويَتْـرُكَ لَسِوَاهُ شُؤُوْنَ الرَّعَاع، فأَقَـرَّهُمُ الزَّعِيْمُ عَنْ حُسْنِ نِيَّة، وتَـرَكَهُمْ يُدَبِّرُوْنَ أَمْرَ الرَّعِيَّة، فأَشْغَلُوا العَشِيْرَةَ بِالتَّصْوِيْتِ والاقْتِرَاع، وضَيَّعُوا أُمُوْرَ الرَّعْيِ والازْدِرَاع، ونُصِبَتِ الـخِيَامُ لِلتَّرْشِيْح، وسَخَا بِأَمْوَالِهِ الشَّحِيْح، وزَخْرَفُوا دَعَاوَى التَّطْوِيْر، وأَجَادُوا وَسَائلَ التَّزْوِيْر، وأُقِيْمَتِ الوَلائمُ الكَبِيْرَة، وتَـحَزَّبَ أَبْنَاءُ العَشِيْرَة، ودَخَلَ في نُفُوْسِهِمُ الشَّتَات، وصَارُوا بَعْدَ الوَحْدَةِ جَمَاعَات، ففَازَ المَوَالِي بِثَلاثَةِ مَقَاعِد، وظَفِرَ الرُّعَاةُ بِمَقْعَدٍ وَاحِد، ومَرَّتْ بِـهِمُ الأَعْوَامُ ولا جَدِيْد، وأَحْوَالُـهُمْ في احْتِدَامٍ شَدِيْد.
وفي العَامِ الـخَامِسِ مِنَ الانْتِخَاب، اجْتَـرَؤُوا عَلَى مَـحْمِيِّ الـجَنَاب، ورَأَوا أَنَّ احْتِدَامَهُمُ القَدِيْم، سَبَـبُهُ كُرْهُ بَعْضِهِمْ لِلزَّعِيْم، فقَرَّرُوا أَنَّ تَنْحِيَتَهُ أَوْلَى، ونَصَّبُوا عَلَيْهِمْ ذَلِكَ المَوْلَى، وحِيْنَ هَمَّ الزَّعِيْمُ بِالارْتِـحَال، الْتَفَتَ عَلَى العَشِيْرَةِ وقَال:
قَدْ سُـسْتُكُمْ بِالعَدْلِ مُنْتَهِجاً *** نَـهْجَ امْرِئٍ لِلْخَيْرِ مُنْصَاعِ
فَلْتَنْقُلُوا عَنِّي مُكَابَدَةً *** ضَاقَتْ بِـهَا يَا قَوْمِ أَضْلاعي:
في كَثْرَةِ الآرَاءِ فُرْقَتُكُمْ *** وَفي الانْتِخَابِ فِخَاخُ أَطْمَاعِ
لا شَيْءَ أَبْخَسُ مِنْ مُشَارَكَةٍ *** وَالبَخْسُ في المَوْزُوْنِ لا الصَّاعِ
هَذَا أَنَا أَدْعُو إلَى رَشَدٍ *** وَاللهُ يَعْلَمُ حَسْرَةَ الدَّاعي
اثْنَيْنِ لا تُعْطُوْهُمَا ثِقَةً: *** مَوْلاكُمُ المَخْطُوْمُ، وَالرَّاعي
يَفِيَانِكُمْ حَتَّى إذا ارْتَفَعَا *** غَدَرَا، وحَطَّاكُمْ إلَى القَاعِ
لا تُسْلِمُوا النَّذْلَيْنِ أَنْفُسَكُمْ *** إنْ كَانَ فِيْكُمْ حَاذِقٌ وَاعي
فَلَقَدْ رَأَيْتُمْ كَيْفَ خَادَعَنِي *** مَنْ لَـمْ يُـخَلْ يَوْماً بِخَدَّاعِ
زَانَا بِعَيْنَيَّ انْتِخَابَـهُمَا *** وَاسْتَـثْنَـيَا عَرْشِي وأَتْبَاعي
وَالآنَ هَا أَنَذَا طَرِيْدُ فَلاً *** أَصْلَى مَرَارَاتِي وأَوْجَاعي
وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ زَعِيْمَ بَادِيَة، اسْتَقَرَّ بِرَعِيَّتِهِ في بُقْعَةٍ نَائيَة، ولَـمْ يَزَالُوا يُثْنُوْنَ عَلَى سِيْرَتِه، وعَلَى عَدْلِهِ في سِيَاسَةِ عَشِيْرَتِه، وكَانَ عَلَى الـجِوَارِ مِنْهُمْ أَعَاجِم، لَـهُمْ عَادَةٌ في اخْتِيَارِ الـحَاكِم، حَيْثُ كَانُوا يَـجْتَمِعُوْنَ ويَـخْتَارُوْن، ثُمَّ يُقَاسِمُوْنَهُ إدَارَةَ الشُّؤُوْن، وإنْ خَالَفَهُمْ في أَمْرٍ عَزَلُوْه، ورُبَّمَـا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وقَـتَلُوْه، وعَلِمَ أَحَدُ الرُّعَاةِ بِـتِلْكَ العَادَة، وكَانَ مَوْلَىً دَخِيْلاً يَكْرَهُ أَسْيَادَه، فأَفْشَى ما رَآهُ بَيْنَ الرُّعْيَان، واقْتَـرَحَ عَلَيْهِمْ تَقْلِيْدَ الـجِيْرَان، فكَاشَفُوا زَعِيْمَهُمْ بِالاقْتِرَاح، وأَثْقَلُوا عَلَيْهِ بِالإلْـحَاح، وعَـرَضُوا عَلَيْهِ إقْرَارَ الانْتِخَاب، عَلَى أَنْ يَظَلَّ مَـحْمِيَّ الـجَنَاب، ويَـخْتَارَ هُوَ الوُزَرَاءَ والأَتْبَاع، ويَتْـرُكَ لَسِوَاهُ شُؤُوْنَ الرَّعَاع، فأَقَـرَّهُمُ الزَّعِيْمُ عَنْ حُسْنِ نِيَّة، وتَـرَكَهُمْ يُدَبِّرُوْنَ أَمْرَ الرَّعِيَّة، فأَشْغَلُوا العَشِيْرَةَ بِالتَّصْوِيْتِ والاقْتِرَاع، وضَيَّعُوا أُمُوْرَ الرَّعْيِ والازْدِرَاع، ونُصِبَتِ الـخِيَامُ لِلتَّرْشِيْح، وسَخَا بِأَمْوَالِهِ الشَّحِيْح، وزَخْرَفُوا دَعَاوَى التَّطْوِيْر، وأَجَادُوا وَسَائلَ التَّزْوِيْر، وأُقِيْمَتِ الوَلائمُ الكَبِيْرَة، وتَـحَزَّبَ أَبْنَاءُ العَشِيْرَة، ودَخَلَ في نُفُوْسِهِمُ الشَّتَات، وصَارُوا بَعْدَ الوَحْدَةِ جَمَاعَات، ففَازَ المَوَالِي بِثَلاثَةِ مَقَاعِد، وظَفِرَ الرُّعَاةُ بِمَقْعَدٍ وَاحِد، ومَرَّتْ بِـهِمُ الأَعْوَامُ ولا جَدِيْد، وأَحْوَالُـهُمْ في احْتِدَامٍ شَدِيْد.
وفي العَامِ الـخَامِسِ مِنَ الانْتِخَاب، اجْتَـرَؤُوا عَلَى مَـحْمِيِّ الـجَنَاب، ورَأَوا أَنَّ احْتِدَامَهُمُ القَدِيْم، سَبَـبُهُ كُرْهُ بَعْضِهِمْ لِلزَّعِيْم، فقَرَّرُوا أَنَّ تَنْحِيَتَهُ أَوْلَى، ونَصَّبُوا عَلَيْهِمْ ذَلِكَ المَوْلَى، وحِيْنَ هَمَّ الزَّعِيْمُ بِالارْتِـحَال، الْتَفَتَ عَلَى العَشِيْرَةِ وقَال:
قَدْ سُـسْتُكُمْ بِالعَدْلِ مُنْتَهِجاً *** نَـهْجَ امْرِئٍ لِلْخَيْرِ مُنْصَاعِ
فَلْتَنْقُلُوا عَنِّي مُكَابَدَةً *** ضَاقَتْ بِـهَا يَا قَوْمِ أَضْلاعي:
في كَثْرَةِ الآرَاءِ فُرْقَتُكُمْ *** وَفي الانْتِخَابِ فِخَاخُ أَطْمَاعِ
لا شَيْءَ أَبْخَسُ مِنْ مُشَارَكَةٍ *** وَالبَخْسُ في المَوْزُوْنِ لا الصَّاعِ
هَذَا أَنَا أَدْعُو إلَى رَشَدٍ *** وَاللهُ يَعْلَمُ حَسْرَةَ الدَّاعي
اثْنَيْنِ لا تُعْطُوْهُمَا ثِقَةً: *** مَوْلاكُمُ المَخْطُوْمُ، وَالرَّاعي
يَفِيَانِكُمْ حَتَّى إذا ارْتَفَعَا *** غَدَرَا، وحَطَّاكُمْ إلَى القَاعِ
لا تُسْلِمُوا النَّذْلَيْنِ أَنْفُسَكُمْ *** إنْ كَانَ فِيْكُمْ حَاذِقٌ وَاعي
فَلَقَدْ رَأَيْتُمْ كَيْفَ خَادَعَنِي *** مَنْ لَـمْ يُـخَلْ يَوْماً بِخَدَّاعِ
زَانَا بِعَيْنَيَّ انْتِخَابَـهُمَا *** وَاسْتَـثْنَـيَا عَرْشِي وأَتْبَاعي
وَالآنَ هَا أَنَذَا طَرِيْدُ فَلاً *** أَصْلَى مَرَارَاتِي وأَوْجَاعي