وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ في الإشَاعَات، والكَلامِ المَبْنِيِّ عَلَى المُبَالَغَات، والصَّحَفِيُّ عَامِلٌ في جَرِيْدَة، يَطْلُبُ مِنْهُ رُؤَسَاؤهُ جَدِيْدَه، وقَدْ تَضِيْقُ بِـبَعْضِ الصَّحَفِيِّـيْنَ الأَخْبَار، فيُضَخِّمُوْنَ النَّمْلَةَ ويُـجِلُّوْنَ الـحِمَار، وطَالَـمَا عَبَثُوا بِالقَارِئِ المِسْكِيْن، وخَادَعُوْهُ بِمُفَرْقَعَاتِ العَنَاوِيْن، ورُبَّمَـا حَمَلَتْهُمْ رَغْبَةُ المَطْعَم، إلى تَغْطِيَةِ عُرْسٍ ومَأْتَم، فالْتَقَطُوا صُوَراً لِلزَّوْجِ ولِلثَّاكِل، ثُمَّ الْتَـهَمُوا ما طَابَ مِنْ مَآكِل.
وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ رَجُلاً وَافِرَ الـحَصَافَة، جَاوَرَ أَحَدَ العَامِلِيْنَ في الصَّحَافَة، فكَانَا إذا اجْتَمَعَا في دَار، هَذَرَ الصَّحَفِيُّ عَلَى الـجَار، وأَخَذَ يُسْمِعُهُ الفَضَائح، ويَنْتَقِدُ الغَادِيَ والرَّائح، ويُـهَوِّلُ صَغِيْرَاتِ الأُمُوْر، ويَـخْلِطُ اللُّبَابَ بِالقُشُوْر، وإذا خَرَجَتْ جَرِيْدَةُ الصَّبَاح، قَرَأَ لَهُ فِيْها العَوِيْلَ والصِّيَاح.
وكَانَ في حَيِّهِمَا بُسْتَان، حَافِلٌ بِكُلِّ مَا رَاقَ وزَان، يَقْصِدُهُ الأَطْفَالُ والنِّسَاء، ويَبْقَوْنَ فِيْهِ حَتَّى المَسَاء، وحَدَثَ أَنْ سَقَطَ صَبِيٌّ مِنَ الأُرْجُوْحَة، فنَـزَفَ بَعْضُ الدَّمِ مِنْ يَدِهِ المَجْرُوْحَة، وما إنْ عَلِمَ الصَّحَفِيُّ بِالـخَبَر، حَتَّى شَمَّرَ عَنْ سَاعِدِهِ وحَضَر، وصَوَّرَ الصَّبِيَّ مِئةَ صُوْرَة، وكَتَبَ أَنَّ يَدَهُ مَكْسُوْرَة، وأَنَّهُ أُصِيْبَ بِجُرُوْحٍ ثَخِيْنَة، سَبَـبُها إهْمَالُ بَلَدِيَّةِ المَدِيْنَة، وحِيْنَمَـا قَرَأَ المَسْؤُوْلُوْنَ تَـحْقِيْقَه، دَمَـجُوا البَلَدِيَّةَ وأَغْلَقُوا الـحَدِيْقَة، فحُرِمَتِ الأُسَرُ مِنَ التَّرْفِيْه، لِدَجَلِ هَذا الصَّحَفِيِّ السَّفِيْه.
فرَأَى الـجَارُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِجَارِه، ويَكْشِفَ لَهُ بَعْضَ عَوَارِه، فصَحِبَهُ في نُـزْهَةٍ قَرِيْبَة، ثُمَّ عَابَ عَلَيْهِ أَكَاذِيْبَه، ونَصَحَهُ بِتَحَرِّي الـحَقَائق، والتَّحَلِّي بِالطَّبْعِ الصَّادِق، وأَلاّ يَنْظُرَ إلى جِهَةٍ وَاحِدَة، وأَلاّ يُوَجِّهَ لِلشُّهْرَةِ مَقَاصِدَه، وبَيْنَمَـا الـجَارُ يَنْصَحُ صَفِيَّه، إذْ مَرَّتْ سَحَابَةٌ صَيْفِيَّة، وَرَشَحَ مِنْها بَعْضُ الطَّـلّ، فما لَبِثَ الصَّحَفِيُّ أَنِ انْسَلّ، ووَدَّعَ جَارَه في اسْتِعْجَال، والْتَفَتَ إلَيْهِ لاهِثاً وقَال:
أَعِدُكَ أَنْ أُرَاعِيَ أَقْوَالَك، فأَرِحْ مِنَ اليَوْمِ بَالَك، ولَكِنَّ المَدِيْنَةَ الآنَ تَغْرَق، وشَوَارِعُها بِالطُّوْفَان تَشْرَق، ولا بُدَّ أَنْ أُصَوِّرَ هَذِهِ المَهَازِل، وأَكْتُبَ عَنْها تَقْرِيْرِي العَاجِل، فدَعْنِي أَرْصُدِ الفَيَضَانَات، قَبْلَ أَنْ تَبْتَلِعَها البَيَّارَات، وأَرْجُو أَنْ تُـهَاتِفَنِي دُوْنَ تَعْوِيْق، مَتَى صَادَفْتَ حَادِثاً في الطَّرِيْق.
فتَـيَـقَّنَ الرَّجُلُ أَنَّ صَاحِبَهُ مُبْتَلَى، وأَنَّ لَيْلَ غَيِّهِ بَعْدُ ما انْجَلَى، فرَجَّعَ عَلَيْهِ آهَةً مُـحْرِقَة، ثُمَّ أَنْشَدَ والشَّمْسُ مُشْرِقَة:
يَا لَـجَارٍ صَحَفِيٍّ يَقْتَفِي *** أَثَرَ الشَّرِّ كَصِلٍّ لادِغِ
يَرْصُدُ القُبْحَ بِطَرْفٍ ثَاقِبٍ *** وَيَـرَى الـحُسْنَ بِطَرْفٍ زَائغِ
يَـحْبِكُ الزَّيْفَ فُنُوْناً فَهْوَ في *** فَرْقَعَاتِ القَوْلِ أَدْهَى نَابِـغِ
كَمْ دَعَاوَى بَاطِلاتٍ هَذَّهَا *** وَكَسَاهَا بِالدَّلِيْلِ الدَّامِغِ
وَيَسِيْرٍ هَيِّنٍ قَدْ صَاغَهُ *** نَـبَأً.. تَـبّاً لَهُ مِنْ صَائغِ
وَيْلَهُ! أَصْفَيْتُهُ نُصْحِي فَلَمْ *** أَلْقَ مِنْهُ غَيْرَ عِيٍّ بَالِغِ
مَنْ رَأَى رَشْحَ الـحَيَا مَا بَالُهُ *** زَاغَ عَنْ قُرْصِ السَّمَاءِ البَازِغِ؟!
فَدَعُوْهُ في هَوَى تَضْلِيْلِهِ *** إنَّ مِنْطِيْقَ الـهَوَى كَاللاَّثِغِ
وَاعْلَمُوا أَنْ لا دَعَاوَى هَشَّةً *** كَدَعَاوَى صَحَفِيٍّ فَارِغِ
وأَصْلُ المَثَلِ أَنَّ رَجُلاً وَافِرَ الـحَصَافَة، جَاوَرَ أَحَدَ العَامِلِيْنَ في الصَّحَافَة، فكَانَا إذا اجْتَمَعَا في دَار، هَذَرَ الصَّحَفِيُّ عَلَى الـجَار، وأَخَذَ يُسْمِعُهُ الفَضَائح، ويَنْتَقِدُ الغَادِيَ والرَّائح، ويُـهَوِّلُ صَغِيْرَاتِ الأُمُوْر، ويَـخْلِطُ اللُّبَابَ بِالقُشُوْر، وإذا خَرَجَتْ جَرِيْدَةُ الصَّبَاح، قَرَأَ لَهُ فِيْها العَوِيْلَ والصِّيَاح.
وكَانَ في حَيِّهِمَا بُسْتَان، حَافِلٌ بِكُلِّ مَا رَاقَ وزَان، يَقْصِدُهُ الأَطْفَالُ والنِّسَاء، ويَبْقَوْنَ فِيْهِ حَتَّى المَسَاء، وحَدَثَ أَنْ سَقَطَ صَبِيٌّ مِنَ الأُرْجُوْحَة، فنَـزَفَ بَعْضُ الدَّمِ مِنْ يَدِهِ المَجْرُوْحَة، وما إنْ عَلِمَ الصَّحَفِيُّ بِالـخَبَر، حَتَّى شَمَّرَ عَنْ سَاعِدِهِ وحَضَر، وصَوَّرَ الصَّبِيَّ مِئةَ صُوْرَة، وكَتَبَ أَنَّ يَدَهُ مَكْسُوْرَة، وأَنَّهُ أُصِيْبَ بِجُرُوْحٍ ثَخِيْنَة، سَبَـبُها إهْمَالُ بَلَدِيَّةِ المَدِيْنَة، وحِيْنَمَـا قَرَأَ المَسْؤُوْلُوْنَ تَـحْقِيْقَه، دَمَـجُوا البَلَدِيَّةَ وأَغْلَقُوا الـحَدِيْقَة، فحُرِمَتِ الأُسَرُ مِنَ التَّرْفِيْه، لِدَجَلِ هَذا الصَّحَفِيِّ السَّفِيْه.
فرَأَى الـجَارُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِجَارِه، ويَكْشِفَ لَهُ بَعْضَ عَوَارِه، فصَحِبَهُ في نُـزْهَةٍ قَرِيْبَة، ثُمَّ عَابَ عَلَيْهِ أَكَاذِيْبَه، ونَصَحَهُ بِتَحَرِّي الـحَقَائق، والتَّحَلِّي بِالطَّبْعِ الصَّادِق، وأَلاّ يَنْظُرَ إلى جِهَةٍ وَاحِدَة، وأَلاّ يُوَجِّهَ لِلشُّهْرَةِ مَقَاصِدَه، وبَيْنَمَـا الـجَارُ يَنْصَحُ صَفِيَّه، إذْ مَرَّتْ سَحَابَةٌ صَيْفِيَّة، وَرَشَحَ مِنْها بَعْضُ الطَّـلّ، فما لَبِثَ الصَّحَفِيُّ أَنِ انْسَلّ، ووَدَّعَ جَارَه في اسْتِعْجَال، والْتَفَتَ إلَيْهِ لاهِثاً وقَال:
أَعِدُكَ أَنْ أُرَاعِيَ أَقْوَالَك، فأَرِحْ مِنَ اليَوْمِ بَالَك، ولَكِنَّ المَدِيْنَةَ الآنَ تَغْرَق، وشَوَارِعُها بِالطُّوْفَان تَشْرَق، ولا بُدَّ أَنْ أُصَوِّرَ هَذِهِ المَهَازِل، وأَكْتُبَ عَنْها تَقْرِيْرِي العَاجِل، فدَعْنِي أَرْصُدِ الفَيَضَانَات، قَبْلَ أَنْ تَبْتَلِعَها البَيَّارَات، وأَرْجُو أَنْ تُـهَاتِفَنِي دُوْنَ تَعْوِيْق، مَتَى صَادَفْتَ حَادِثاً في الطَّرِيْق.
فتَـيَـقَّنَ الرَّجُلُ أَنَّ صَاحِبَهُ مُبْتَلَى، وأَنَّ لَيْلَ غَيِّهِ بَعْدُ ما انْجَلَى، فرَجَّعَ عَلَيْهِ آهَةً مُـحْرِقَة، ثُمَّ أَنْشَدَ والشَّمْسُ مُشْرِقَة:
يَا لَـجَارٍ صَحَفِيٍّ يَقْتَفِي *** أَثَرَ الشَّرِّ كَصِلٍّ لادِغِ
يَرْصُدُ القُبْحَ بِطَرْفٍ ثَاقِبٍ *** وَيَـرَى الـحُسْنَ بِطَرْفٍ زَائغِ
يَـحْبِكُ الزَّيْفَ فُنُوْناً فَهْوَ في *** فَرْقَعَاتِ القَوْلِ أَدْهَى نَابِـغِ
كَمْ دَعَاوَى بَاطِلاتٍ هَذَّهَا *** وَكَسَاهَا بِالدَّلِيْلِ الدَّامِغِ
وَيَسِيْرٍ هَيِّنٍ قَدْ صَاغَهُ *** نَـبَأً.. تَـبّاً لَهُ مِنْ صَائغِ
وَيْلَهُ! أَصْفَيْتُهُ نُصْحِي فَلَمْ *** أَلْقَ مِنْهُ غَيْرَ عِيٍّ بَالِغِ
مَنْ رَأَى رَشْحَ الـحَيَا مَا بَالُهُ *** زَاغَ عَنْ قُرْصِ السَّمَاءِ البَازِغِ؟!
فَدَعُوْهُ في هَوَى تَضْلِيْلِهِ *** إنَّ مِنْطِيْقَ الـهَوَى كَاللاَّثِغِ
وَاعْلَمُوا أَنْ لا دَعَاوَى هَشَّةً *** كَدَعَاوَى صَحَفِيٍّ فَارِغِ