وهوَ مَثَلٌ يُقَالُ فِيْمَنْ غَرَّهُ المَنْصِبُ المُؤَقَّت، فشَقَّ عَلَى مَنِ اسْتُؤْمِنَ عَلَيْهِمْ وأَعْنَت، وراحَ يُسِـيْءُ ويَبْطِش، ويَلْكُمُ هَذا ويَـخْدِش، والكُرْسِيُّ مَنْصِبٌ دَوّار، لَيْسَ لَهُ قَرَار.
وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ مُوَظَّفاً غَبَنَهُ مُدِيْرُهُ الـجَدِيْد، اللابِسُ وَهْماً حِلْيَةَ هَارُوْنَ الرَّشِيْد، فزادَ عَلَيْهِ المَشَقَّة، وسَلَبَهُ كَرَامتَهُ وحَقَّه، ومَارَسَ مَهَامَّ الـخُلَفَاء، فنَـهَى وأَمَرَ بِما شَاء، وتَعَسَّفَ في القَرَارَاتِ والأَوَامِر، وأَهَانَ أَكَابِرَ القَوْمِ والأَصَاغِر، وجَعَلَ العَامِلِيْنَ في احْتِدَام، وأَوْقَعَهُمْ في تَـحَزُّبٍ وصِدَام، ولَـمْ يَعْتَدَّ إلا بِمُشَابِـهِيْهِ في العُنْف، وأَزْرَى بِمَنْ طَابَعُهُمُ اللِّيْنُ واللُّطْف، ووَصَمَهُمْ بِالإهْمَالِ والرَّخَاوَة، ورَأَى أنَّ التَّمَيُّـزَ في القَسَاوَة، وهوَ مَعَ تَشَدُّقِهِ بِالأَنْظِمَةِ حِيْنَ يُوَاجَه، يَتَحَايَلُ عَلَيْها بِمَـا يُوَافِقُ مِزَاجَه، فكَمْ حَابَى عُصْبَـتَهُ العَنِيْفَة، وكَمْ حَبَا سِوَاهُمْ تَطْفِيْفَه، وقَدْ غَابَ عَنْهُ أنَّ كُرْسِيَّهُ هَشّ، وأنَّهُ سَيَجْلِسُ بَعْدَهُ عَلَى قَشّ، وحِيْنَئذٍ يَـجْنِي الشَّوْكَ زَارِعُه، ويَنْدُبُ ثَوْبَ المُرُوْءَةِ خَالِعُه.
وما هِيَ إلا شُهُوْرٌ ولَّتْ مُدْبِرَة، حَتَّى رُكِلَ المُدِيْرُ عَلَى المُؤَخِّرَة، فعَادَ لا هَيْبَةَ لَهُ ولا قِيْمَة، وانْفَضَّتْ عَنْهُ عُصْبَتُهُ اللَّئيْمَة، وصَارَ لِـمَا هُوَ فِيْهِ مِنْ إيْـحَاش، يُنَاجِي عَامِلَ الصِّيَانَةِ والفَرَّاش، وكَمْ شُوْهِدَ وهوَ يَـهُشُّ الذُّبَاب، ويَعْبَثُ بِأَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِسَاب.
وقَبْلَ أَنْ يُـخْلَعَ المُدِيْرُ مِنْ مَنْصِبِه، رَأَى المُوَظَّفُ أَنْ يَـخُصَّهُ بِتَعَتُّبِه، إذْ كَانَ بَيْنَهُما وُدٌّ قَدِيْم، وقَدْرٌ مِنَ الإخَاءِ حَمِيْم، فانْدَفَعَ بِوَاجِبِ الصُّحْبَةِ المُضَاعَة، لِيُبَصِّرَهُ بِمَـا هُوَ فِيْهِ مِنْ بَشَاعَة، فنَظَمَ فِيْهِ قَصِيْدَةً عَلَّهَا تُطِبُّه، وافْتَـتَحَها بِخِطَابِهِ بِمَا يُـحِبُّه، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ مَكْتَـبَه، وأَنْشَدَهُ حِيْنَمَـا انْتَـبَه:
حَنَانَيْكَ يَا ذَا المَجْدِ والـجَاهِ والعُلا *** وَيَا قَمَرَ الدُّنْيَا وَيَا مَطْلِعَ الشَّمْسِ
أَصِخْ لِصَدِيْقٍ لَـمْ يَـحُلْ عَنْ وَفَائهِ *** ولَـمْ يَنْسَ وُدّاً صَانَهُ لَكَ بِالأَمْسِ
رَأَيْتُكَ مَقْطُوْعاً عَنِ الرَّأْيِ سَادِراً *** وَتَـخْتَالُ في الأَنْحَاءِ مُنْتَفِخَ الرَّأْسِ
تُسِـيْءُ إلَيْنَا شَاتِـماً وَمُلاسِناً *** وَتَفْتِكُ فِيْنَا مِثْلَ عَنْتَـرَةَ العَبْسي
أَهَنْتَ شُيُوْخاً، وَاعْتَسَفْتَ أَحِبَّةً *** وَطِشْتَ كَمَا قَدْ طَاشَ في يَدِكَ (البِـبْسي)
فَقُلْتُ: صَدِيْقِي حَادَ عَنْ سَنَنِ الـهُدَى *** وَظَنَّ بِأَنَّ الثُّوْمَ أَحْلَى مِنَ الدِّبْسِ
وَلَـمَّا رَأَيْتُ الشَّقَّ زَادَ اتِّسَاعُهُ *** وَأَصْبَحْتَ أَعْرَى مِنْ مُـجَرَّدَةِ اللُّبْسِ
أَتَيْتُ أَقُوْلُ: اسْمَعْ نَصِيْحَةَ مُشْفِقٍ *** أَتَاكَ مِنَ التَّعْجَالِ مُسْتَأْجِراً (تَكْسي)
تَنَـبَّهْ فَمَا شَيءٌ أَخَسَّ مِنَ الأَذَى *** وَأَخْبَثَ مِنْ لُؤْمٍ وَأَغْدَرَ مِنْ كُرْسي
وَهَذَا ولَـمْ تُـمْنَحْ سِوَى بَعْضِ سُلْطَةٍ *** فَكَيْفَ إذا الكُرْسِيُّ تَـحْتَكَ قَدْ أُرْسي؟!
سَتَشْنِقُ مُسْتَاءً، وَتَصْلِبُ شَاكِياً *** وَأَهْوَنُـنَا سُخْطاً يُقَادُ إلى الـحَبْسِ!
وأَصْلُ المَثَلِ أنَّ مُوَظَّفاً غَبَنَهُ مُدِيْرُهُ الـجَدِيْد، اللابِسُ وَهْماً حِلْيَةَ هَارُوْنَ الرَّشِيْد، فزادَ عَلَيْهِ المَشَقَّة، وسَلَبَهُ كَرَامتَهُ وحَقَّه، ومَارَسَ مَهَامَّ الـخُلَفَاء، فنَـهَى وأَمَرَ بِما شَاء، وتَعَسَّفَ في القَرَارَاتِ والأَوَامِر، وأَهَانَ أَكَابِرَ القَوْمِ والأَصَاغِر، وجَعَلَ العَامِلِيْنَ في احْتِدَام، وأَوْقَعَهُمْ في تَـحَزُّبٍ وصِدَام، ولَـمْ يَعْتَدَّ إلا بِمُشَابِـهِيْهِ في العُنْف، وأَزْرَى بِمَنْ طَابَعُهُمُ اللِّيْنُ واللُّطْف، ووَصَمَهُمْ بِالإهْمَالِ والرَّخَاوَة، ورَأَى أنَّ التَّمَيُّـزَ في القَسَاوَة، وهوَ مَعَ تَشَدُّقِهِ بِالأَنْظِمَةِ حِيْنَ يُوَاجَه، يَتَحَايَلُ عَلَيْها بِمَـا يُوَافِقُ مِزَاجَه، فكَمْ حَابَى عُصْبَـتَهُ العَنِيْفَة، وكَمْ حَبَا سِوَاهُمْ تَطْفِيْفَه، وقَدْ غَابَ عَنْهُ أنَّ كُرْسِيَّهُ هَشّ، وأنَّهُ سَيَجْلِسُ بَعْدَهُ عَلَى قَشّ، وحِيْنَئذٍ يَـجْنِي الشَّوْكَ زَارِعُه، ويَنْدُبُ ثَوْبَ المُرُوْءَةِ خَالِعُه.
وما هِيَ إلا شُهُوْرٌ ولَّتْ مُدْبِرَة، حَتَّى رُكِلَ المُدِيْرُ عَلَى المُؤَخِّرَة، فعَادَ لا هَيْبَةَ لَهُ ولا قِيْمَة، وانْفَضَّتْ عَنْهُ عُصْبَتُهُ اللَّئيْمَة، وصَارَ لِـمَا هُوَ فِيْهِ مِنْ إيْـحَاش، يُنَاجِي عَامِلَ الصِّيَانَةِ والفَرَّاش، وكَمْ شُوْهِدَ وهوَ يَـهُشُّ الذُّبَاب، ويَعْبَثُ بِأَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِسَاب.
وقَبْلَ أَنْ يُـخْلَعَ المُدِيْرُ مِنْ مَنْصِبِه، رَأَى المُوَظَّفُ أَنْ يَـخُصَّهُ بِتَعَتُّبِه، إذْ كَانَ بَيْنَهُما وُدٌّ قَدِيْم، وقَدْرٌ مِنَ الإخَاءِ حَمِيْم، فانْدَفَعَ بِوَاجِبِ الصُّحْبَةِ المُضَاعَة، لِيُبَصِّرَهُ بِمَـا هُوَ فِيْهِ مِنْ بَشَاعَة، فنَظَمَ فِيْهِ قَصِيْدَةً عَلَّهَا تُطِبُّه، وافْتَـتَحَها بِخِطَابِهِ بِمَا يُـحِبُّه، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ مَكْتَـبَه، وأَنْشَدَهُ حِيْنَمَـا انْتَـبَه:
حَنَانَيْكَ يَا ذَا المَجْدِ والـجَاهِ والعُلا *** وَيَا قَمَرَ الدُّنْيَا وَيَا مَطْلِعَ الشَّمْسِ
أَصِخْ لِصَدِيْقٍ لَـمْ يَـحُلْ عَنْ وَفَائهِ *** ولَـمْ يَنْسَ وُدّاً صَانَهُ لَكَ بِالأَمْسِ
رَأَيْتُكَ مَقْطُوْعاً عَنِ الرَّأْيِ سَادِراً *** وَتَـخْتَالُ في الأَنْحَاءِ مُنْتَفِخَ الرَّأْسِ
تُسِـيْءُ إلَيْنَا شَاتِـماً وَمُلاسِناً *** وَتَفْتِكُ فِيْنَا مِثْلَ عَنْتَـرَةَ العَبْسي
أَهَنْتَ شُيُوْخاً، وَاعْتَسَفْتَ أَحِبَّةً *** وَطِشْتَ كَمَا قَدْ طَاشَ في يَدِكَ (البِـبْسي)
فَقُلْتُ: صَدِيْقِي حَادَ عَنْ سَنَنِ الـهُدَى *** وَظَنَّ بِأَنَّ الثُّوْمَ أَحْلَى مِنَ الدِّبْسِ
وَلَـمَّا رَأَيْتُ الشَّقَّ زَادَ اتِّسَاعُهُ *** وَأَصْبَحْتَ أَعْرَى مِنْ مُـجَرَّدَةِ اللُّبْسِ
أَتَيْتُ أَقُوْلُ: اسْمَعْ نَصِيْحَةَ مُشْفِقٍ *** أَتَاكَ مِنَ التَّعْجَالِ مُسْتَأْجِراً (تَكْسي)
تَنَـبَّهْ فَمَا شَيءٌ أَخَسَّ مِنَ الأَذَى *** وَأَخْبَثَ مِنْ لُؤْمٍ وَأَغْدَرَ مِنْ كُرْسي
وَهَذَا ولَـمْ تُـمْنَحْ سِوَى بَعْضِ سُلْطَةٍ *** فَكَيْفَ إذا الكُرْسِيُّ تَـحْتَكَ قَدْ أُرْسي؟!
سَتَشْنِقُ مُسْتَاءً، وَتَصْلِبُ شَاكِياً *** وَأَهْوَنُـنَا سُخْطاً يُقَادُ إلى الـحَبْسِ!